أشهر اللوحات التي استوحت قصيدة "سيدة شالوت" لوحة جون ويليام ووترهاوس التي صورت واحداً من أكثر مشاهد القصيدة درامية وتأثيراً في النفس، خروج سيدة شالوت من جزيرتها الصغيرة على مركبٍ تتقاذفه الريح الشرقية عاصفة المزاج كما تشاء.
"وأسفل امتداد النهر الغامض
كعراف جريء في غشية؛
رائياً كل فرصه الضائعة
بسيماء زجاجية؛
نظرت إلى كاميلوت."
في اللوحة تعبير قوي عن ذهول سيدة شالوت التي ترى فرصها الضائعة بينما كانت في برجها الرمادي المنعزل محكومة بتعويذة، سيدة شالوت خائفة كذلك من اللعنة التي حلت عليها بسبب رؤيتها لكاميلوت، خائفة من الرياح، من الماء، لكنها ماضية في طريقها لأنها لم تعد تستطيع البقاء في شالوت بعد انكسار السحر. لا بد وأن تصل إلى كاميلوت.
يرسم ووترهاوس في لوحته الثالثة مشهداً مبكراً من القصيدة، إذ يُصيب سيدة شالوت السأم من الظلال التي تعكسها مرآتها عندما ترى حبيبين تزوجا حديثاً ذاهبين إلى كاميلوت. تريد سيدة شالوت ما يزيد عن الظلال، شيئاً حقيقياً جداً. ولعل هذه إشارة مبكرة في القصيدة إلى خروج سيدة شالوت من الجزيرة لتستكشف كاميلوت. ألوان اللوحة مشرقة، لكن سأم سيدة شالوت ينعكس على كل شيء فيها، فالحبيبان في المرآة قصيان وكأنهما غير حقيقيين، وأبراج كاميلوت لا تبدو حقيقية أكثر من نسيج سيدة شالوت. كل ما حولها ممل وكئيب وباعث على السأم، المغزل، النسيج، قطع القماش المتناثرة، الخيوط. ولعل الرسام يُشير إلى أن سيدة شالوت كانت تريد حقيقية لا يُمكن مقايضتها بالصور. سيدة شالوت تريد أن تكون جزءاً من المشهد، لا ناقلة له. ورُبما كانت تلك رغبة في الرسام الذي يريد أن يذوب في النسيج الذي يرسمه، ويُصبح جزءاً منه، لا مجرد رسامٍ للظلال.
من المشاهد التي تنسجها سيدة شالوت بنفسٍ قانعة - ظاهرياً - لا يستفزها للتعبير عن سأمها غير مشهد الحبيبين الذي يبدو لها مجرد ظلٍ مهما حاولت نسجه، مما يوحي بأنها تسعى للاكتمال الذي تلوح فرصة لتحقيقه بظهور سير لانسلوت لاحقاً. وبتصويره للحبيبين على أنهما تفصيلٌ صغير في صورة، يُكثف ووترهاوس السأم الذي يُسيطر على سيدة شالوت، فرغم أنها تظهر كنموذج وحي - مقارنة بالحبيبين - إلا أنها طاقة معطلة مشغولة بأفكارٍ تُعبر عنها أبراج كاميلوت، أفكارٌ لا يُمكن التعبير عنها. هنا، تصير سيدة شالوت فعلاً تجسيداً للفنان أو المفكر أو الفيلسوف الذي لا يستطيع نقل رؤاه إلى سواه، وبالتالي يشله السأم، ويُصبح غير قادرٍ على تحقيق اكتماله. عندها تأتي التتمة في خروج سيدة شالوت إلى كاميلوت تمثيلاً رمزياً للخروج سعياً إلى تحقيق الرؤى وتجسيدها.
ألهمت القصيدة جون ويليام ووترهاوس لوحتين أخريين، إحداهما تصور سيدة شالوت ناظرة إلى سير لانسلوت، وفيها تظهر بشكلٍ مختلف تماماً عن لوحته الأخرى "سيدة شالوت" في البُنية الجسدية والشكل. سيدة شالوت هنا ليست فتاة رقيقة هشة، وإنما امرأة ناضجة مكتملة البنية، امرأة ذات مزاج غامض تسمع أصواتاً غريبة. ولا يتعلق الأمر باختلاف (موديل) الرسام في اللوحتين، بقدر ما يتعلق باختلاف التفسير الفني للقصيدة في اللوحتين، واختلاف المقطع المأخوذ. في اللوحة السابقة، كانت سيدة شالوت محكومة بقدرٍ أجبرها على الخروج من جزيرتها المنعزلة إلى كاميلوت، بينما في هذه اللوحة، تتخذ سيدة شالوت خياراً بنفسها، فتنهض من مكانها لتنظر إلى سير لانسلوت.
مع ذلك، تظل ملامح سيدة شالوت خائفة متوجسة، تتطلع في وجلٍ خشية أن تكتشفها أعينٌ خفية. خيوط المغزل تلتف حول ثوبها وتُقيدها في إشارة إلى ثقل اللعنة التي تحكمها، وعلى الأرض تتناثر كرات الخيوط السوداء التي وقعت منها في عجالتها - وقد تكون سوداء تعبيراً عن مخاوفها. في خلفية الصورة، تبدأ المرآة بالتصدع. لقد اتخذت سيدة شالوت خيارها، ولم تعد هناك فرصة للتراجع.
ولد الفنان ووترهاوس في روما وعندما أتى إلى انجلترا درس في استوديو والده الفنان هو الآخر ثم في أكاديمية الفنون الملكية
وتأثر بالفنان لورنس تاديما
ويغلب على لوحاته الطابع الكلاسيكي. لكنه مصنف بكونه منتميا للإسلوب ماقبل الرافائيلي
بسبب تركيزه على رسم النساء الجميلات وافتتانه بفكرة الأنوثة وتبنيه للإتجاه الواقعي في الرسم
و ظلت أعمال الفنان جون ووترهاوس تحظى بالشعبية والتفضيل دائما
وقد تخصص في تصوير مشاهد من أساطير القرون الوسطى والعالم القديم
وفي عام 1902 ظهرت لوحة أزهار الريح في مقدمة سلسلة من اللوحات التي تعالج فكرة جديدة
تتمثل في تصوير فتيات في ملابس فضفاضة وهن يجمعن الأزهار في طبيعة مفتوحة .
وكان ووترهاوس يحب الأزهار وهناك العديد من الدراسات النقدية المكرسة لتحليل هذه الظاهرة إعتمادا على تفاصيل بعض لوحاته
لوحته الجميلة " أزهار الريح " تتميز برومانسيتها الفائقة ورقة خطوطها وأناقة توزيع الألوان فيها
لوحة "ميراندا والعاصفة"
ميراندا كانت الإبنة الوحيدة لبروسبيرو في مسرحية العاصفة لشكسبير
وحسب المسرحية فإن ميراندا ووالدها تركا على أرض جزيرة نائية ومعزولة من قبل بعض أعداء بروسبيرو
إلى ان قدم إلى الجزيرة بعض الرحالة بقيادة أمير شاب لا تلبث ميراندا ان تعجب به وتقع في حبه
ثم يرحل الجميع بعد ذلك عائدين إلى الأرض اللتي قدموا منها
لوحة ويليام هولمان هنت احتفاء بالألوان التي تميز أسلوب ما قبل الرافاييلية، يُصور سيدة شالوت بينما المرآة تتصدع. سيدة شالوت شديدة البهاء لم تعد تنظر إلى المرآة التي تعكس أبراج كاميلوت كأنها دعوة سحرية إلى عالم الحلم، بل يشغلها التخلص من خيوط النسيج المتطاير بعد أن حلت اللعنة عليها. حالة الغرفة فوضى من الألوان التي تكاد تُغرق سيدة شالوت، والخيوط التي تملأ اللوحة تقيدها بقيودٍ قدرية، وتحولها نفسها إلى جزء من المنسوجات يحاول التحرر.
"تطاير النسيج عائماً في الهواء،
تصدعت المرآة من طرف إلى طرف،
“حلت علي اللعنة!”
صاحت سيدة شالوت."
في لوحته، يوحي هولمان هنت بأن سيدة شالوت نفسها جزء من السحر، مثلها مثل المرآة ومنسوجات الغرفة. هي ليست شخصاً حقيقياً يحاول الخروج من الوهم، بل جزء من الوهم نفسه يحاول التحرر. سيدة شالوت عند هولمان هنت شخصية في لوحة تريد الخروج إلى العالم، والمرآة المكسورة قد تكون انعكاساً للعالم الواقعي الذي تحاول الخروج إليه. هي شبيهة بشخصيات برانديلو الست التي تبحث عن مؤلف إلا أنها لا تبحث عن مؤلف، بل عن شيء ملموس بعيداً عن انعكاسات المرآة، سيدة شالوت الشخصية التي تهرب من المؤلف لتلاقي حتفها لأنها ليست مصنوعة للعالم خارج حدود الذهن.
خروج سيدة شالوت من جزيرتها خروج الفنان من أسوار عقله والرؤى التي تحكمه ليحاول الوصول إلى العالم وإلى الاكتمال الفني، ورغم أن سيدة شالوت تموت في طريقها، إلا أنها تصل إلى كاميلوت، ويعرف كلُ من فيها أنها وُجِدت، وأنها سيدة شالوت، كما يُقر لها سير لانسلوت بالبهاء. الوصول النهائي لمركب سيدة شالوت الذي يحمل اسمها إشارة إلى خلود الاسم الذي يحوي خلاصة الوجود بينما يفنى الجسد، وإلى أن ما سيبقى منا ليس سوى أسمائنا. صحيح أن سيدة شالوت ماتت، إلا أنها حققت اكتمالاً فنياً بخروجها من حصار المرآة إلى مواجهة الواقع، وبأن العالم صار يعرف اسمها الذي لا يناله الموت.
ومن ضمن لوحاته
جون ويليام واتر هاوس
John William Waterhouse
1849-1917