الرئيسية التسجيل مكتبي  
للاقتراحات والملاحظات نرجو ارسال رساله واتس اب او رساله قصيره على الرقم 0509505020 الاعلانات الهامه للمنتدى

اعلانات المنتدي

   
.
.:: إعلانات الموقع ::.

قال الله تعالى: { مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } سورة ق الآية 18

   
 
العودة   ::منتديات بالحارث سيف نجران :: > الأقــســـام الــعـــامــة > المنتدى الثقافي والتعليمي
 
   
إضافة رد
   
 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
 
   
   
 
قديم 11-24-2011, 02:30 AM رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
كاتب نشيط

الصورة الرمزية قلب نابض

إحصائية العضو






 

قلب نابض غير متواجد حالياً

 


المنتدى : المنتدى الثقافي والتعليمي
افتراضي الميزان في وزن الرجال يامن تتفاخرون بالأنساب

إن أكرمكم عند الله أتقاكم



الميزان في وزن الرجال

الفخر بالنسب والتباهي به من أوائل المعاصي التي عصـي بها الرب تبارك وتعالى، فحين أمر الله إبليس بالسجود لآدم؛ تكبر وتعالى بأصله الشريف ﴿أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾ البقرة : 12.
وإلى يومنا هذا ما زال من عادة الناس التفاخر بالحسب والزهو بالنسب ، فهذا لا يخطِّب ابنته إلا ابن قبيلته، إذ لا يساميه في الشـرف أحد، فهو سليل الأماجد، والناس جميعاً دونه سوقة ورعاع.





والفخر على الناس بالحسب والنسب غريب عن مقومات المجتمع المسلم، وهو سمة من سمات الجاهلية التي تنبأ النبي صلى الله عليه وسلم بديمومة بعض المسلمين على فعلها تأثراً بالجاهلية وأدرانها «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونَهن: الفخرُ في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنِّيَاحة» [1].
وهكذا فإن ميزان الجاهلية في تقويم الناس واحترامهم يعتمد على الحسب والنسب والمال وأمثال ذلك، وهي أمور لا تعدو - لو كانت مَزِيَّة - أن تكون بعضَ فضلِ الله على عباده، وهذا مدعاة التواضع والشكر له تبارك وتعالى ، لا الفخرَ على عباده والتكبر عليهم.
وحين بعث النبي صلى الله عليه وسلم ؛ شرع في تصحيح أخطاء الجاهلية وتغيير قيمها الخاطئة، فعالج الأسوةُ الحسنة صلى الله عليه وسلم هذه الخَصْلة الذميمة التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي وأرسى الموقف الإسلامي الصحيح في مسألة التفاخر بالنسب.
وبداية نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الناس جميعاً متساوون في الآدمية، فكلهم أبناء آدم، وهم جميعاً على اختلاف ألوانهم وأجناسهم مكرَّمون بما خصه الله من خصائص الإنسانية ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾ الإسراء: 70.
وإذا كان جميع البشر متساوين في الإنسانية، فإنما تتفاوت أقدارهم بأمر زائد على إنسانيتهم، وهو ما يقدمونه بين يدي الله من أعمال صالحة ترفع منزلتهم عنده وعند عباده ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ الحجرات: 13.
ميزان الجاهلية في تقديم أهل الحسب والنسب والجاه :
ولقد شنع النبي صلى الله عليه وسلم على فعل أولئك الذين يتفاخرون على عباد الله بأحسابهم وأنسابهم، واعتبر صنيعهم من بقية أدران الجاهلية، والمفروض بالمسلم أن يتسامى عليها ويترفع عنها: «إن الله عز وجل قد أذهب عنكم عُبِيَّة الجاهلية وفخرَها بالآباء، [الناس] مؤمن تقي، وفاجر شقي، والناس بنو آدم، وآدم من تراب، ليدَعنّ أقوام فخرَهم برجال أو ليكونُنَّ أهون على الله من الجِعلان التي تدفع بأنفها النتن» [2].والجِعلان هي الحشرات التي تلامس القاذورات.
وفي رواية أنه قال: «لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية، فوالذي نفسي بيده لما يدهده الجُعل بمنخريه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية» [3]، فشبه صلى الله عليه وسلم "المفتخرين بآبائهم الذين ماتوا في الجاهلية بالجعلان، وآباءَهم المفتخرَ بهم بالعذْرة، ونفسَ افتخارِهم بهم بالدفعِ والدهدهةِ بالأنف، والمعنى أن أحد الأمرين واقعٌ ألبتة: إما الانتهاءُ عن الافتخار، أو كونُهم أذلَّ عند الله تعالى من الجعلان الموصوفة"[4].
ولما كان الفخر بالأنساب عملاً من أعمال الجاهلية؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم ما فتئ يحذر منه، ويربي أصحابه: «إن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا؛ حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخرْ أحد على أحد» [5].
ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بعضَ التفاخرِ بالنسب بين أصحابه؛ سارع إلى تقويمهم، ومن ذلك خبرُ سعدِ بنِ أبي وقاص الزهري، الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يخصه بمزيد محبة، لأنه من بني زهرة أهل أمِِ النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه عن سعد متحبباً: «هذا خالي، فليُرِني امرؤ خالَه» [6].
لكن سعداً حين سمع رضى الله عنه النبي يقول فيه ذلك؛ ظن أن له فضلاً على غيره، فنبهه صلى الله عليه وسلم على خطئه، وبين له فضل الضعفاء ومنزلَتهم عند الله بقوله الذي يرويه لنا مصعبُ بنُ سعد بنِ أبي وقاص بقوله: رأى سعد رضى الله عنه أن له فضلاً على من دونه فقال صلى الله عليه وسلم : «هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم» [7].
وفي موقف آخر بلغ صفيةَ بنتَ حيي أن حفصةَ بنتَ عمر قالت عنها أنها ابنة يهودي، فبكت صفية لذلك، فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي، فقال: «ما شأنُك؟»، فأخبرته بما قالته حفصة عنها، فقال صلى الله عليه وسلم مواسياً: «إنك ابنة نبي [أي هارون لأنها من نسله]، وإن عمك لنبي [أي موسى عليه السلام]، وإنك لتحت نبي [أي هي زوجة نبي]، ففيم تفخر عليك؟»
ولم يفُتْه صلى الله عليه وسلم النصح لزوجه المخطئة فقال لها: «اتق الله يا حفصة» [8].
قال المباركفوري : " قال «اتقي الله» أي مخالفته أو عقابه؛ بترك مثل هذا الكلام الذي هو من عادات الجاهلية"[9].
ونلحظ هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد إلى طريقة ينجبر بها كل نسب يظنه البعض سُبة، وهي الانتساب إلى الأب الشـريف ولو كان بعيداً، كما هو الحال في صفية، فهي من نسل هارون عليه السلام الذي مضى قبل الإسلام بألفي سنة، ومثل هذا الأب البعيد لا يعدمه أحد في دنيا الناس اليوم.
وذات مرة انتسب رجلان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أحدُهما للآخر: أنا فلان بنُ فلان، فمن أنت لا أم لك؟ فما كان من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا المسارعة إلى علاج هذا الخلل بذكر قصة مشابهة حصلت زمن موسى عليه السلام، فقال صلى الله عليه وسلم: «انتسب رجلان على عهد موسى عليه السلام، فقال أحدهما: أنا فلانُ بنُ فلان - حتى عد تسعة - فمن أنت لا أم لك؟ فقال الآخر: أنا فلانُ بنُ فلان ابنُ الإسلام.
قال صلى الله عليه وسلم: فأوحى الله إلى موسى عليه السلام أنَّ هذين المنتسبين، أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار، فأنت عاشرُهم، وأما أنت يا هذا المنتسبُ إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثُهما في الجنة» [10].
وهكذا ينبغي أن يدع المتأسون بالنبي صلى الله عليه وسلم فعلَ الجاهلية وضلالَها بالافتخار بالأحساب والأنساب والأجناس والأعراق والألوان والبلدان، فكلنا بنو آدم، وإنما تتفاوت أقدارنا عند الله بعبادتنا له وتكريمه تبارك وتعالى لنا.


إن أكرمكم عند الله أتقاكم :

ولابد لنا هنا من الحديث عما أرساه صلى الله عليه وسلم بدلاً عن الحسب والنسب من قيم إسلامية، يتفاضل الناس على أساسها فيما بينهم؛ إنه قربهم من الله تعالى وعبادتهم له ﴿ يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم﴾ الحجرات: 13.
هذا المبدأ الإسلامي العظيم رسخه النبي صلى الله عليه وسلم في أقوال كثيرة ربط فيها الخيرية بالعمل الصالح، ومنها قولُه صلى الله عليه وسلم: «خيرُكم من تعلم القرآن وعلمه» [11]، وقولُه: «خيرُكم من يرجى خيره ويؤمن شره» [12]، وقولُه: «خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي» [13]، وقولُه: «خيرُكم إسلاماً أحاسنُكم أخلاقاً إذا فقِهوا» [14]، وقولُه: «خيرُكم من أطعم الطعام أو الذين يطعمون الطعام» [15]، ففي هذه الأحاديث ربطٌ للخيرية بأعمال صالحة يتعدى نفعُها إلى الآخرين، هي تعلُمُ القرآن وتعليمُه، وحسنُ المعاملة مع الأهل وغيرِهم، وكفُ الـشر والأذى، وإطعامُ الطعام.
وذات يوم جلس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتحادثون في أكرم العرب نسباً، فهذا الموضوع له عمق وأهمية في مخيلة العربي الذي نشأ في البيئة العربية التي ما فتئ الناس فيها يتفاخرون بالأحساب والأنساب، ثم رأوا أن يحسموا أمرهم بسؤال النبي المعصوم الذي يوحى إليه، فقالوا: يا رسول الله ، من أكرم الناس؟ فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم بأخـصر جواب وأدقه وأعمقه: «أتقاهم».
لكن الصحابة كانوا يبحثون عن إجابة سؤال آخر، إنهم يريدون معرفة أكرمِ الناس نسباً وأعلاهُم مقاماً، فقالوا: ليس عن هذا نسألك. فأجابهم صلى الله عليه وسلم وهو يغرس ميزان الإسلام في صدورهم: «فيوسف، نبيُّ الله ابنُ نبي الله ابنِ نبيِّ الله ابنِ خليل الله».
لقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم للتأكيد على ميزان الخيرية الإسلامي الذي يقدم المرء حسب الإيمان ونسب العقيدة، وهو بالطبع ليس جواب السؤال الذي يسأله الصحابة، لذلك قالوا ثانية: ليس عن هذا نسألك! فقال صلى الله عليه وسلم: «فعن معادن العرب تسألون، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقُهوا» [16].
قال القاضي عياض: "وقد تضمن الحديث في الأجوبة الثلاثة أن الكرم كلَّه عمومَه وخصوصَه ومجملَه ومبانيه؛ إنما هو الدين، من التقوى والنبوة والإسلامِ مع الفقه"[17].
ولقد تكرر سؤال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم عن خير الناس وأفضلِهم في مواطن كثيرة، فما فتئ صلى الله عليه وسلم في جوابه يؤكد على خيرية العبادة والعمل، فحين جاءه أعرابي فقال: أي الناس خير؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم: «رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل في شِعب من الشعاب يعبد ربه ويدع الناس من شره» [18].
وفي مرة أخرى سأله الصحابة: أي الناس خير؟ فقال وهو يؤكد على أن الخيرية خيرية القيم والعمل: «من طال عمره وحسُن عمله» [19].
وذات مرة قام إليه رجل وهو على المنبر، فقال: يا رسول الله، أي الناس خير؟
فلم يجبه النبي صلى الله عليه وسلم بأن خير الناس أكثرُهم مالاً وولداً، ولا أحسنُهم جاهاً أو أكرمُهم نسباً، بل قال: «خير الناس أقرؤهم، وأتقاهم، وآمرهم بالمعروف، وأنهاهُم عن المنكر، وأوصلُهم للرحم» [20]، فالتكريم عند الله والتفاضل والخيرية إنما هو بالتقوى والعمل الصالح، الذي يرفع مقام العبد عند الله، والكريم عند الله ينبغي أن يكون كريماً عند المؤمنين، والعكس بالعكس.
لقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبعث في مجتمع جاهلي القيم، يقدم أهل الدنيا ويؤثِرهم على غيرهم، أراد أن يصحح القيم بروية الحكيم وتأني المشفق الناصح؛ فما زال كذلك حتى خلص المجتمع من أدرانها.
ومن هذه القيم الإسلامية الجديدة قوله صلى الله عليه وسلم لمن أراد الزواج مخلصاً إياه من قيم الجاهلية: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» [21]، والمعنى: "أن اللائق بذي الدين والمروءة، أن يكون الدين مطمحَ نظره في كل شيء، لا سيما فيما تطول صحبته، فأَمره النبي صلى الله عليه وسلم بتحصيل صاحبة الدين، الذي هو غاية البُغية، وقد وقع في حديث عبد الله بنِ عمرو «لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهُن - أي يهلكهُن - ، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهُن ، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمةٌ سوداءُ ذاتُ دين أفضل»" [22].
وفي درس عملي آخر ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على تفضيل الناس بحسب ميزان الله الذي يتساوى عنده الشـريف والوضيع، فلا يتفاضلون عنده وعند عباده إلا بالتقوى، فقد جلس صلى الله عليه وسلم بين أصحابه، فمر عليه رجل [23]، فقال لرجل عنده جالس: «ما رأيك في هذا؟» فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع. قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم مر رجل آخر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما رأيك في هذا؟» فقال: يا رسول الله، هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب ألا يُنكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يُسمع لقوله.
فقال صلى الله عليه وسلم: «هذا خير من ملئ الأرض مثل هذا»، وفي رواية للحديث عند الروياني في مسنده أن اسم هذا الفقير جُعيل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فجُعيل خير من ملئ الأرض مثل هذا»[24].
وجعيل بن سراقة الضمري من فقراء المسلمين، وكان رجلاً صالحاً دميماً قبيحاً، أسلم قديماً، وشهد مع رسول الله أُحداً[25].
يقول ابن حجر : "وفي الحديث بيان فضل جُعيلٍ المذكور، وأن السيادة بمجرد الدنيا لا أثر لها، وإنما الاعتبار في ذلك بالآخرة كما تقدم ، أن العيشَ عيشُ الآخرة ، وأن الذي يفوته الحظ من الدنيا؛ يعاض عنه بحسنة الآخرة .. تبين من سياق طرق القصة أن جهة تفضيله إنما هي لفضله بالتقوى"[26].
وكما حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إرساء قيم الإسلام العظيمة في المجتمع المسلم، وفق مبدأ التفاضل بالتقوى فإنه حرص على تخليصه من قيمة جاهلية، وهي التفاخر والتشريف بالحسب أو النسب أو المال أو اللون، فالناس عند الله سواء، لا فرق بين أبيضهم وأسودِهم، ولا بين غنيهم وفقيرِهم «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» [27].
وخلال سني دعوته صلى الله عليه وسلم أرى الصحابة نماذج عملية في تفضيل بعض فقراء المسلمين وضعفائهم على غيرهم من أهل الجاه والمنزلة؛ لسابقتهم في الإسلام والعمل الصالح، ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم دفن شهداء أُحد أزواجاً، فكان إذا أوتي باثنين منهم سأل، ولعله يعلم جواب سؤاله: «أيهم أكثر أخذاً للقرآن؟»، فإن أشير إلى أحدهما، قدمه في اللحد[28]. تقديماً لمن قدمه الله تعالى.
والتفضيلُ لأهل القرآن ليس خاصاً بالأموات في قبورهم، بل هو تفضيل يرفعهم في الدنيا قبل الآخرة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدم أهل القرآن في الإمارة على غيرهم، كما أمَّر قارئ القرآن ابن أم مكتوم الضرير على المدينة في بعض أسفاره ، كيف لا وهو صلى الله عليه وسلم القائل : «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» [29].
ولو أصخنا السمع إلى أبي هريرة رضى الله عنه لسمعناه يقص علينا نموذجاً آخر من تربية النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه على التحاكم إلى ميزان الخيرية والتقوى، فقد بعث سرية من السـرايا، فاستقرأ كل رجل منهم ما معه من القرآن، فأتى على شاب من أحدثهم سناً فسأله: « ما معك يا فلان؟» فأجاب الشاب: معي كذا وكذا وسورةُ البقرة. فقال صلى الله عليه وسلم: «أمعك سورة البقرة؟» قال: نعم ، قال: «فاذهب فأنت أميرهم»[30]، فلم يتأخر به سنه، كيف وقد قدمه الله بما آتاه من قرآنه.
والقارئ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم تستوقفه قصة عجيبة، فقد مر أبو سفيان سيد قريش قبيل إسلامه على سلمانَ وصهيبٍ وبلالٍ في نفر، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها.
فسمع أبو بكر الصديق مقالتهم، فرفق بسيد العرب وكبير قريش، فقال معاتباً: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدِهم؟
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكوهم عنده، ويخبره بما قاله سلمان وبلال لأبي سفيان، فقال له صلى الله عليه وسلم مستفهماً: «يا أبا بكر، لعلك أغضبتهم، لئن كنت أغضبتهم؛ لقد أغضبت ربك».
ذعر الصديق لما سمع، فانطلق يسارع في خطاه إلى هؤلاء الضعفة الذين يغضب الله لغضبهم، فأتاهم ، فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا. ويغفر الله لك يا أُخي [31].
قال النووي: "وهذا الإتيان لأبي سفيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية، وفي هذا فضيلة ظاهرة لسلمان ورفقتِه هؤلاء، وفيه مراعاة قلوبِ الضعفاء وأهلِ الدين وإكرامُهم وملاطفتُهم"[32].
ولئن كان الناس يعيرون بالفقر والمسكنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نبه أصحابه إلى أنهما ليسا منقصة لأحد، لا بل قد يكونان سبباً في النجاة ورفعة الدرجات، كيف لا والفقراء أسبق من غيرهم إلى الجنة: «إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً» [33]، لذلك كان صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو الله بقوله: «اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشـرني في زمرة المساكين يوم القيامة» [34] لقد أراد صلى الله عليه وسلم"إظهارَ تواضعه، وافتقارَه إلى ربه، إرشاداً لأمته إلى استشعار التواضع، والاحترازِ عن الكبر والنخوة، وأراد بذلك التنبيه على علو درجات المساكين وقربِهم من الله تعالى"[35].
إن بعض هؤلاء الذين نزدريهم لفقرهم ومسكنتهم أفضلُ من كثيرين ممن نحتفي بهم ونصدِّرهم في المجالس ونسارع إلى تزويج بناتنا لهم: «رُبّ أشعثَ مدفوعٍ بالأبواب لو أقسم على الله لأبره» [36]، وفي رواية: «ألا أخبركم بشـر عباد الله؟ الفظُّ المستكبر، ألا أخبركم بخير عباد الله؟ الضعيفُ المستضعَف ذو الطمرين، لو أقسم على الله لأبر الله قسمه» [37].
قال النووي: "قوله: «الأشعث» الملبدُ الشعر، المغبرُ غير مدهونٍ ولا مرَجَّل، وقوله: «مدفوعٍ بالأبواب» أي لا قدْر له عند الناس، فهم يدفعونه عن أبوابهم ، ويطردونه عنهم احتقاراً له، و[لكن هذا العبد المحتقر من الناس] لو حلف على وقوع شيء؛ أوقعه الله إكراماً له بإجابة سؤاله ، وصيانتِه من الحنث في يمينه، وهذا لعِظَم منزلته عند الله تعالى، وإن كان حقيراً عند الناس"[38].
وقد فقه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الهدي النبوي، وأقاموه منهجاً في حياتهم، فقدموا في سائر أمورهم من تقدمهم بالعمل الصالح، ولو كان فقيراً أو عبداً أو مولى، ومن ذلك أنه: لما قدم المهاجرون الأولون العُصبَة [موضعٌ بقباء] قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كان يؤمهم سالم مولى أبي حذيفة، وكان أكثرهم قرآناً [39]، فلم يمنعه تأخر نسبه عن تقدم أشراف العرب وإمامتهم في أعظم فرائض الإسلام.
وبعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم قدّم النبيُّ سالماً على سائر الصحابة بما معه من القرآن، فكان يؤم المهاجرين الأولين في مسجد قباء، وفيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة[40].
وكذلك عرف عمر بن الخطاب رضى الله عنه لبلالٍ الحبشي الأسود منزلتـه وسبْقه إلى الإسـلام وعذابه في سبيـله، فكان يقول: أبو بكر سيدُنا، وأعتق سيدَنا يعني بلالاً[41].
وحين دوّن عمر رضى الله عنه الدواوين، وكتب للناس رواتبهم، لم يلتفت إلى أحسابهم وأنسابهم، بل قدَّمهم بحسب سبقهم في الإسلام وقربِهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففرض للمهاجرين الأولين السابقين إلى الإسلام خمسةَ آلاف، وللأنصار الذين آمنوا بعدهم أربعةَ آلاف ، ولأزواج النبي عليه السلام اثني عشر ألفاً، ثم فرض للناس على قدر منازلهم وقراءتِهم للقرآن وجهادِهم[42].
وأما صغار الصحابة كعبدِ الله بنِ عمر، فأعطاهم ثلاثة آلاف، فدخل ابن عمر على أبيه مستعتباً فقال: يا أبتِ فرضت لي ثلاثةَ آلاف، وفرضتَ لأسامةَ بنِ زيد أربعة آلاف ، وقد شهدتُ مع رسول الله ما لم يشهد أسامة، فبيَّن عمر لابنه سبب زيادة عطاء أسامةَ ابنِ المولى على ابنِ الخليفة، وقال: لأن زيداً [والدَ أسامة] كان أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك، وكان أسامة أحبَّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، فآثرت حبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبي[43].
وإذا تبين لنا هذا الهدي النبوي فإن الواجب علينا أن نجري مراجعات صادقة في مفاهيمنا وموازيننا، ونستهدي بها بدلاً من موازين الجاهلية التي تجعلنا نفاضل بين الناس وفق القيم الدنيوية الرخيصة من جنس وجنسية ولون وقوم.

الشيخ منقذ السقار
--------------------------------------------------------------------------------

[1] أخرجه مسلم ح 934.
[2] أخرجه أبو داود ح 5116، و أحمد في مسنده 8519.
[3] أخرجه أحمد في مسنده ح 2734.
[4] عون المعبود 14/17.
[5] أخرجه مسلم ح 2865.
[6] أخرجه الترمذي ح 2752.
[7] أخرجه البخاري ح 2896.
[8] أخرجه أحمد في مسنده ح 11984.
[9] تحفة الأحوذي 10/269.
[10] أخرجه أحمد في مسنده ح 20674.
[11] أخرجه البخاري ح 5027.
[12] أخرجه الترمذي ح 2263.
[13] أخرجه الترمذي ح 3795.
[14] أخرجه أحمد ح 9720.
[15] أخرجه أحمد ح 23411.
[16] أخرجه البخاري ح 3353.
[17] شرح النووي على صحيح مسلم 15/135.
[18] أخرجه البخاري ح 6494.
[19] أخرجه الترمذي ح 2330.
[20] أخرجه أحمد ح 26888.
[21] أخرجه البخاري ح 5090، ومسلم ح 1466.
[22] فتح الباري 9/135، الحديث رواه ابن ماجه ح 1859.
[23]لم يرد في هذه الرواية اسم الرجل، لكن جاء رواية أخرى أنه عيينة بن حصن أو الأقرع بن حابس.
[24] أخرجه البخاري ح 5091.
[25] انظر: عمدة القاري 29/225.
[26] فتح الباري 11/278.
[27] أخرجه مسلم ح 2564.
[28] أخرجه البخاري ح 1343.
[29] أخرجه البخاري ح 5027.
[30] أخرجه الترمذي ح 2876.
[31] أخرجه مسلم ح 2504.
[32] شرح النووي على صحيح مسلم 16/66.
[33] أخرجه مسلم ح 2979.
[34] أخرجه الترمذي ح 2352.
[35] تحفة الأحوذي 7/16.
[36] أخرجه مسلم ح 2622.
[37] أخرجه أحمد ح 22947.
[38] شرح النووي على صحيح مسلم 16/175.
[39] أخرجه البخاري ح 7563.
[40] انظره في صحيح البخاري ح 7175.
[41] أخرجه البخاري ح 3754.
[42] أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/226.
[43] أخرجه الترمذي ح 3813.

م\ن







التوقيع

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 11-25-2011, 12:03 AM رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
كاتب مميز

الصورة الرمزية ساهر

إحصائية العضو






 

ساهر غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : قلب نابض المنتدى : المنتدى الثقافي والتعليمي
افتراضي

بارك الله فيك







رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 11-26-2011, 03:45 PM رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
وسام التميز

الصورة الرمزية آنسآن ع ـآدي

إحصائية العضو






 

آنسآن ع ـآدي غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : قلب نابض المنتدى : المنتدى الثقافي والتعليمي
افتراضي

تختلف المقاييس التي يعتمد عليها الناس في تقييمهم للأشخاص ، ومدى إستحقاقهم للتقدير والإحترام ، فمنهم من تتفاوت قيمة الناس لديه حسب نَسَبِهم ، وعراقة قبائلهم ، فأجدرهم بالإحترام ، والتقدير أعلاهم نسباً ، وأعرقهم قبيله ، ومنهم من يعتبر الغنى والثراء وحجم الأرصده والممتلكات هي المقياس الحقيقي لقدر الإنسان وعلو منزلته ، ومنهم من ينظر إلى زاوية المنصب والجاه ، والإرتقاء في سلم الوظائف والدرجات ، وبعضهم يرى أن الشهادات العلميه التي حصل عليها الشخص هي التي تحدد قيمته ، وتفرض إحترامه .

إن جميع هذه المقاييس لا تتعدى كونها مقاييس ماديه بحته ضيقة الأفق ، فالإنسان الذي يفاضل بين الأشخاص على هذه الأسس ، إنما ينظر إلى الحياة بمنظار ضيق جداً ، فالشخص العريق النسب لا قيمة لنسبه مع إنحطاط في أخلاقه وقيمه الدينيه والإجتماعيه !!

وقد أخبرنا الله تعالى أن مصير كل هذه الإعتبارات والمقاييس إلى التلاشي يوم القيامه ، فمصير النسب : { فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون } ، ومصير الغنى : { وما يغني عنه ماله إذا تردى } ، ومصير الجاه والمنزله : { هلك عني سلطانيه} .

وقد أرشدنا القرآن الكريم في قوله تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ، فالمرء يقاس بمقدار صلاحه واستقامته على منهج الله ، وقيمة الإنسان في المجتمع إنما هي بمقدار نفعه لمجتمعه ، وخدمته لأمته ، واستغلال ما آتاه الله من نعم وما مكنه فيه في نشر الخير ومساعدة المحتاج وإعانة الضعيف ، وسره على مصالح الأمه ومعرفته بحقوق الآخرين ، فيجب علينا أن نحترم الناس على هذا المقياس ، ونزنهم بهذا الميزان العادل .

........

أسمح لي أخي الفاضل قلب نابض بتلك الإضافه

فموضوعك يستحق القراءه والتوقف عنده للتأمل وأخذ الفائدة منه ..

يعطيك ألف عافيه وتقبل مروري ...







التوقيع





هل أستفدت من مواضيعي ؟؟

تكفى لاتنساني من دعوه صالحه في ظهر الغيب فقط
رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-05-2011, 05:01 PM رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
كاتب مميز

الصورة الرمزية الغريبA

إحصائية العضو







 

الغريبA غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : قلب نابض المنتدى : المنتدى الثقافي والتعليمي
افتراضي

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : -

اشكرك اخي قلب نابض واثني شكري بتذكيرك الجميل ، واحب ان اضيف بعد الاذن .......
مما ورد عن الرسول - صلى الله عليه واله وسلم - عن الامام علي - عليه السلام - : - (مالابن ادم والفخر اوله نطفة واخره جيفة لايرزق نفسه ولايدفع حتفه تؤلمه البقة وتقتله الشرقة )

وكما قال - علي - عليه السلام - : ( ليس الفتى من قال كان ابي * ان الفتى من قال هائنذا )

تحياتي لكم جميعا ....







التوقيع

رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-05-2011, 10:03 PM رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
قائمة الامـتـيـاز

إحصائية العضو






 

عادل بالحارث غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : قلب نابض المنتدى : المنتدى الثقافي والتعليمي
افتراضي

يعطيك الف عافيه اخوي قلب نابض







رد مع اقتباس
 
   
   
 
قديم 12-21-2011, 09:20 PM رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
مشرف الهمسات والخواطر والكاتب الحر

الصورة الرمزية نواف بلحارث

إحصائية العضو






 

نواف بلحارث غير متواجد حالياً

 


كاتب الموضوع : قلب نابض المنتدى : المنتدى الثقافي والتعليمي
افتراضي

لا هنت قلب نابض







رد مع اقتباس
 
   
إضافة رد

   
 
مواقع النشر (المفضلة)
 
   

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
قل الحميه عند بعض الرجال الكريم الحوار والنقاش الساخن 4 08-28-2010 04:06 PM
معاريف الرجال ديون وديون الرجال ثقال بركان الغضب منتدى الشعر 2 06-15-2010 09:13 PM
أسرار الرجال !!! دموع الورد المجتمع والأطفال 4 01-10-2010 11:22 AM
الرجاء المساعدة NIGHT WOLF منتدى الكمبيوتر والإنترنت 5 10-30-2009 09:20 PM
كيد النساء أم كيد الرجال!!!؟؟؟ سيف نجران منتديات القصص والروايات 2 08-11-2009 11:17 PM


   
 
 
 
   

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



مواقع صديقه


الساعة الآن 06:24 AM


Powered by vBulletin™ Version 3.8.7
Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved. منتديات
حقوق الطبع محفوظه لمنتديات بالحارث سيف نجران