تاريخ المجتمع الإنساني ونظرته إلى فئات المعاقين.
تاريخ المجتمع الإنساني ونظرته إلى فئات المعاقين.
شهد تاريخ المجتمع الإنساني تحولات عديدة في نظرته إلى فئات المعاقين، حيث نظر إليهم في العصور القديمة على أنهم مصدراً للشر، اعتقاداً بأن الأرواح الشريرة قد دخلت في أجسادهم، وهي التي تحكم سلوكياتهم وعانوا صنوفاً من الاضطهاد لطرد تلك الأرواح، وحيث لم تصلح تلك الوسائل، فقد كان الخلاص منهم بالعزل أو حتى بالقتل هي النظرة السائدة في تلك العصور. وبتأثير التعاليم الدينية التي سادت في العصور الوسطى، نُظر إلى المعاقين كفئة تستحق الشفقة والعطف، مع استمرار صور الاضطهاد والعزل كامتداد للعصور القديمة. ومع بداية القرن التاسع عشر أنشئت في النمسا مؤسسة لتعليم حالات التخلف العقلي كمظهر من مظاهر البدء بالاهتمام بفئات المعاقين، وتولى بعد ذلك إنشاء العديد من تلك المؤسسات في بلدان أخرى داخل أوروبا.
وفي مطلع القرن العشرين تزايد الاهتمام بالمعاقين من خلال التوسع في إنشاء مؤسسات جديدة تعني بتعليم وتدريب هذه الفئة، وتقدم لهم الخدمات الصحية والاجتماعية بشكل علمي إنساني. غير أن التحول الأبرز ظهر بعد نهاية الحرب العالمية الأولى لتأهيل معاقي تلك الحرب عرفانا بتضحياتهم. بعد ذلك تزايدت أعداد المؤسسات التي أنشئت لتمكين المعاقين من الحصول على فرص التعليم والتدريب وبالتالي فرص العمل.
وبسبب الركود الاقتصادي الذي شهده العالم ما بين نهاية الحرب العالمية الأولى وبداية الحرب العالمية الثانية، تقلصت فرص العمل أمام المعاقين، حيث فقد البعض منهم فرص العمل التي حصلوا عليها نتيجة التنافس اللامتكافئ مع غير المعاقين على فرص العمل المحدودة أمام الجميع، وبذلك تفشت البطالة في أوساط المعاقين. كانت الحرب العالمية الثانية سبباً في اتساع دائرة الاهتمام برعاية وتأهيل المعاقين في أوروبا بشكل خاص، حيث تم تعبئة القوى العاملة القادرة على القتال للمشاركة في الأعمال الحربية، مما أحدث فراغاً هائلاً في العمل ولم يبقى سوء المسنين والنساء والمعاقين للقيام بالأعمال الإنتاجية لتأمين احتياجات المجتمع، وإمداد جهات القتال بما يلزمها، وكان لابد من تأهيل المعاقين لسد الفراغ في سوق العمل، وأثبت المعاقون قدرة فائقة على دفع عملية الإنتاج أثناء الحرب، وبذلك تغيرت النظرة نحو المعاقين باعتبارهم قوة فاعلة، يتوجب تنمية قدراتها واستثمار طاقتها في مجالات الإنتاج السلعي والخدمي، واعترافاً بهذا الدور الذي يمكن أن يلعبه المعاقون في حياة المجتمع، أصبحت برامج رعايتهم وتأهيلهم ضمن أوليات العمل الرسمي والشعبي لتلك الدول.
|