يشوقكَ منهم كل ابنِ هيجا
[align=center]
بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ
وتُغْتَفَرُ الخطايا والذُّنُوبُ
وأرجو أن أعيشَ بهِ سعيداً
وَألقاهُ وَليس عَلَيّ حُوبُ
نبي كامل الأوصافِ تمت
محاسنه فقيل له الحبيبُ
يُفَرِّجُ ذِكْرُهُ الكُرُباتِ عنا
إذا نَزَلَتْ بساحَتِنا الكُروبُ
مدائحُه تَزِيدُ القَلْبَ شَوْقاً
إليه كأنها حَلْيٌ وَطيبُ
وأذكرهُ وليلُ الخطبِ داجٍ
عَلَيَّ فَتَنْجلِي عني الخُطوبُ
وَصَفْتُ شمائلاً منه حِساناً
فما أدري أمدحٌ أمْ نسيبُ
وَمَنْ لي أنْ أرى منه محَيًّاً
يُسَرُّ بحسنِهِ القلْبُ الكئِيبُ
كأنَّ حديثَه زَهْرٌ نَضِيرٌ
وحاملَ زهرهِ غصنٌ رطيبُ
ولي طرفٌ لمرآهُ مشوقٌ
وَلِي قلب لِذِكْراهُ طَروبُ
تبوأ قاب قوسين اختصاصاً
ولا واشٍ هناك ولا رقيبُ
مناصبهُ السنيّة ليس فيها
لإنسانٍ وَلاَ مَلَكٍ نَصِيبُ
رَحِيبُ الصَّدْرِ ضاقَ الكَوْنُ عما
تَضَمَّنَ ذلك الصَّدْرُ الرحيبُ
يجدد في قعودٍ أو قيامٍ
له شوقي المدرس والخطيبُ
على قدرٍ يمد الناس علماً
كما يُعْطِيك أدْوِيَة ً طبيبُ
وَتَسْتَهْدِي القلوبُ النُّورَ منه
كما استهدى من البحر القليبُ
بدت للناس منه شموسُ علمٍ
طَوالِعَ ما تَزُولُ وَلا تَغِيبُ
وألهمنا به التقوى فشقتْ
لنا عمَّا أكَنَّتْهُ الغُيُوبُ
خلائِقُهُ مَوَاهِبُ دُونَ كَسْبٍ
وشَتَّانَ المَوَاهِبُ والكُسُوبُ
مهذبة ٌ بنور الله ليست
كأخلاق يهذبها اللبيبُ
وَآدابُ النُّبُوَّة ِ مُعجزاتٌ
فكيف يَنالُها الرجُلُ الأديبُ
أَبْيَنَ مِنَ الطِّباعِ دَماً وَفَرْثاً
وجاءت مثلَ ما جاء الحليبُ
سَمِعْنا الوَحْيَ مِنْ فِيه صريحاً
كغادية عزاليها تصوبُ
فلا قَوْلٌ وَلا عَمَلٌ لَدَيْه
بفاحِشَة ٍ وَلا بِهَوى ً مَشُوبُ
وَبالأهواءُ تَخْتَلِفُ المساعي
وتَفْتَرِق المذاهب وَالشُّعوبُ
ولما صار ذاك الغيث سيلاً
علاهُ من الثرى الزبدُ الغريبُ
فلا تنسبْ لقول الله ريباً
فما في قولِ رَبِّك ما يَرِيبُ
فإن تَخُلُقْ لهُ الأعداءُ عَيْباً
فَقَوْلُ العَائِبِينَ هو المَعيبُ
فَخالِفْ أُمَّتَيْ موسى وَعيسى
فما فيهم لخالقه منيبُ
فَقَوْمٌ منهم فُتِنُوا بِعِجْلٍ
وَقَوْماً منهمْ فَتَنَ الصَّليبُ
وَأحبارٌ تَقُولُ لَهُ شَبِيهٌ
وَرُهْبَانٌ تَقُولُ لَهُ ضَرِيبُ
وَإنَّ محمداً لرَسولُ حَقٍّ
حسيبٌ في نبوته نسيبُ
أمين صادقٌ برٌّ تقيٌّ
عليمٌ ماجِدٌ هادٍ وَهُوبُ
يريك على الرضا والسخط وجهاً
تَرُوقُ به البَشَاشَة ُ وَالقُطوبُ
يُضِيءُ بِوَجْهِهِ المِحْرابُ لَيْلاً
وَتُظْلِمُ في النهارِ به الحُروبُ
تقدمَ من تقدمَ من نبيٍّ
نماهُ وهكذا البطلُ النجيبُ
وصَدَّقَهُ وحَكَّمَهُ صَبِيّاً
من الكفار شبانٌ وشيبُ
فلما جاءَهم بالحقِّ صَدُّوا
وصد أولئك العجب العجيبُ
شريعتُهُ صراطٌ مُستقيمٌ
فليس يمسنا فيها لغوبُ
عليك بها فإن لها كتاباً
عليه تحسد الحدق القلوبُ
ينوب لها عن الكتب المواضي
وليست عنه في حال تنوبُ
ألم تره ينادي بالتحدي
عن الحسن البديعِ به جيوبُ
وَدَانَ البَدْرُ مُنْشَقّاً إليه
وأفْصَحَ ناطِقاً عَيْرٌ وَذِيبُ
وجذع النخلِ حنَّ حنينَ ثكلى
لهُ فأَجابهُ نِعْمَ المُجِيبُ
وَقد سَجَدَتْ لهُ أغصانُ سَرْحٍ
فلِمَ لا يؤْمِنُ الظَّبْيُّ الرَّبيبُ
وكم من دعوة في المحلِ منها
رَبَتْ وَاهْتَزَّتِ الأرضُ الجَدِيبُ
وَروَّى عَسْكراً بحلِيبِ شاة ٍ
فعاودهم به العيش الخصيبُ
ومخبولٌ أتاهُ فثاب عقلٌ
إليه ولم نخلهُ له يثوب
وما ماءٌ تلقى وهو ملحٌ
أُجاجٌ طَعْمُهُ إلاّ يَطِيبُ
وعينٌ فارقَتْ نظراً فعادت
كما كانت وردّ لها السليبُ
ومَيْتٌ مُؤذِنٌ بِفِراقِ رُوحٍ
أقام وسرِّيَتْ عنه شعوبُ
وثَغْرُ مُعَمِّرٍ عُمراً طويلاً
تُوفي وهو منضودٌ شنيب
ونخلٌ أثمرتْ في دون عامٍ
فغارَ بها على القنوِ العسيبُ
ووفى منه سلمانٌ ديوناً
عليه ما يوفيها جريب
وجردَ من جريدِ النخلِ سيفاً
فقيل بذاك للسيفِ القضيب
وهَزَّ ثَبِيرُ عِطْفَيْهِ سُروراً
به كالغصنِ هبتهُ الجنوبُ
ورَدَّ الفيلَ والأحزابَ طَيْرٌ
وريحٌ مايطاقُ لها هبوبُ
وفارسُ خانها ماءٌ ونارٌ
فغيِضَ الماءُ وانطفَأَ اللَّهيبُ
وَقد هَزَّ الحسامَ عليه عادٍ
بِيَومٍ نَوْمُه فيه هُبوبُ
فقام المصطفى بالسيفِ يسطو
على الساطي به وله وثوبُ
وريعَ له أبو جهلٍ بفحلٍ
ينوبُ عن الهزبرِله نيوبُ
وشهبٌ أرسلتْ حرساً فخطتْ
على طرسِ الظلامِ بها شطوبُ
ولم أرَ معجزاتٍ مثل ذكرٍ
إليه كلُّ ذِي لُبٍّ يُنِيبُ
وما آياته تحصى بعدٍّ
فَيُدْرِكَ شَأْوَها مني طَلوبُ
طفقتُ أدُّمنها موجَ بحرٍ
وَقَطْراً غَيْثُهُ أَبداً يَصُوبُ
يَجُودُ سَحابُهُنَّ وَلا انْقِشَاعٌ
وَيَزْخَرُ بَحْرُهُنَّ ولا نُضُوبُ
فراقك من بوارقها وميضٌ
وشاقك من جواهرها رسوبُ
هدانا للإله بها نبيٌّ
فضائله إذا تحكى ضروبُ
وأَخبَرَ تابِعِيِه بِغائِباتٍ
وليس بكائن عنه مَغيبُ
ولا كتبَ الكتابَ ولا تلاه
فيلحدَ في رسالته المريبُ
وقد نالوا على الأمم المواضي
به شرفاً فكلهم حسيبُ
وما كأميرِنا فيهم أميرٌ
ولا كنقِيبنا لهمُ نقيبُ
كأن عليمنا لهم نبيٌّ
لدعوتِهِ الخلائقُ تستجيبُ
وقد كتبتْ علينا واجباتٌ
أشَدُّ عليهمُ منها النُّدوبُ
وما تتضاعفُ الأغلالُ إلاَّ
إذا قستِ الرقابُ أو القلوبُ
ولما قيلَ للكفارِ خُشْبٌ
تحكَّمَ فيهم السيفُ الخشيبُ
حَكَوْا في ضَرْبِ أمثلة ٍ حَمِيراً
فوَاحِدُنا لألْفِهِمُ ضَرُوبُ
وما علماؤنا إلا سيوفٌ
مواضٍ لاتفلُّ لها غروبُ
سَراة ٌ لم يَقُلْ منهم سَرِيُّ
لِيَومِ كَرِيهَة ٍ يَوْمٌ عَصِيبُ
ولم يفتنهمُ ماءٌ نميرٌ
من الدنيا ولا مرعى ً خصيبُ
ولم تغمضْ لهم ليلاً جفونٌ
ولا ألفتْ مضاجعها جنوبُ
يشوقكَ منهم كل ابنِ هيجا
على اللأواء محبوبٌ مهيبُ
له مِنْ نَقْعِها طَرْفٌ كَحِيلٌ
ومِنْ دَمِ أُسْدِها كَفٌّ خَضِيبُ
وتنهالُ الكتائبُ حين يهوي
إليها مثلَ ما انهال الكثيبُ
على طرق القنا للموتِ منه
إلى مهجِ العدا أبداً دبيبُ
يُقَصِّدُ في العِدا سُمْرَ العَوالي
فيَرْجِعُ وهْوَ مسلوبٌ سَلوبُ
ذوابلُ كالعقودِ لها اطرادٌ
فليس يشوقها إلا التريبُ
يخرُّ لرمحهِ الرُّوميُّ أنى
تيقنَ أنه العودُ الصليبُ
ويَخْضِبُ سَيفَهُ بِدَمِ النَّواصي
مخافة َ أن يقالَ به مشيبُ
له في الليل دمعٌ ليس يرقا
وقلبٌ ما يَغِبُّ له وجِيبُ
رسول الله دعوة َ مستقيلٍ
من التقصيرِ خاطرهُ هبوبُ
تعذَّر في المشيبِ وكان عياً
وبُردُ شبابه ضافٍ قشيبُ
ولا عَتْب على مَنْ قامَ يَجْلو
محاسِنَ لا تُرَى معها عيوبُ
دعاك لكلِّ مُعْضِلة ٍ أَلَّمتْ
به ولكلِّ نائبة ٍ تَنُوبُ
وللذَّنْبِ الذي ضاقَتْ عليه
به الدنيا وجانبُها رَحيبُ
يراقبُ منه ما كسبت يداه
فيبكيه كما يبكي الرقوبُ
وأني يهتدي للرشدِ عاصٍ
لغاربِ كل معصية ٍ ركوبُ
يَتُوبُ لسانُهُ عَنْ كلِّ ذَنْبٍ
وَلم يَرَ قلبَهُ منه يَتُوبُ
تقاضتهُ مواهبكَ امتداحاً
وَأوْلَى الناسِ بالمَدْحِ الوَهوبُ
وأغراني به داعي اقتراحٍ
عليَّ لأمرهِ أبداً وجوبُ
فقلتُ لِمَنْ يَحُضُّ عَلَى َّ فيه
لعلَّكَ في هواهُ لي نَسيبُ
دَلَلْتَ عَلَى الهَوَى قلبي فَسَهْمي
وَسَهْمُكَ في الهَوَى كلٌّ مُصيبُ
لجودِ المصطفى مُدَّت يدانا
وما مدتْ له أيدٍ تخيبُ
شفاعَتهُ لنا ولكلِّ عاصٍ
بقدرِ ذنوبه منها ذنوبُ
هُوَ الغَيْثُ السَّكُوبُ نَدًى وَعِلْماً
جَهِلْتُ وما هُوَ الغَيْثُ السَّكوبُ
صلاة ُ الله ما سارت سَحابٌ
عليه ومارسا وثوى عسيبُ
,
,
,
وافاك بالذنبِ العظيمِ المذنبُ
خجلاً يعنفُ نفسهُ ويؤنبُ
لم لا يشوبُ دموعهُ بدمائه
ذو شيبة ٍ عوراتها ماتخضبُ
لَعِبَتْ به الدنيا ولولا جَهْلُه
ما كان في الدنيا يخوضُ ويَلعَبُ
لَزمَ التَّقَلُّبَ في معَاصي رَبِّهِ
إذْ باتَ في نَعْمائِه يَتَقلَّبُ
يستغفرُ الله الذنوبَ وقلبه
شرهاً على أمثالها يتوثبُ
يُغْرِي جَوَارِحَهُ عَلَى شَهَوَاتِهِ
فكأَنَّه فيما استَبَاحَ مُكلِّبُ
أضْحَى بِمُعْتَرَكِ المَنايا لاهِياً
فكأَنَّ مُعْتَرَك المنايا مَلْعَبُ
ضاقت مذاهبه عليه فما له
إلاّ إلى حرم بطيبة َ مهربُ
مُتَقَطِّعُ الأسبابِ مِنْ أعمالِهِ
لكنه برجائه متسببُ
وقفت بجاه المصطفى آماله
فكأَنه بذُنوبه يَتَقَرَّبُ
وَبدا له أنَّ الوُقُوفَ بِبابِهِ
بابٌ لِغُفْرانِ الذُّنوبِ مُجَرَّبُ
صلَّى عليه الله إنَّ مَطامِعي
في جُودِهِ قد غارَ منها أشعَبُ
لمَ لا يغار وقد رآني دونه
أدركْتُ مِنْ خَيْرِ الوَرَى ما أَطلُبُ
ماذا أخافُ إذا وَقَفْتُ بِبابِهِ
وصَحائِفي سُودٌ ورَأْسيَ أشْيَبُ
والمصطفى الماحي الذي يمحو الذي
يحصي الرقيبُ على المسيء ويكتبُ
بشرٌ سعيدٌ في النفوسِ معظمٌ
مِقْدارُه وإلى القلوبِ مُحبَّبُ
بجمالِ صُورَتِهِ تَمَدَّحَ آدَمٌ
وبيان ِمنطقهِ تشرّفَ يعربُ
مصباحُ كلِّ فضيلة ٍوإمامها
وَلِفَضْلِهِ فَضْلُ الخَلائِقِ يُنسَبُ
ردْ واقتبسْ من فضلهِ فبحارهُ
ما تَنْتَهي وشُموسُهُ ما تَغرُبُ
فلكلٍّ سارٍ مِنْ هُداهُ هِدَايَة ٌ
ولكل عافٍ من نداهُ مشربُ
وَلكلِّ عَيْنٍ منه بَدْرٌ طالعٌ
ولكلِّ قلبٍ منه لَيْثٌ أَغْلَبُ
مَلأَ العوالِمَ عِلْمُهُ وثَنَاءُهُ
فيه الوجودُ منوَّرٌ ومُطَيَّبُ
وهبَ الإلهُ لهُ الكمالَ وإنهُ
في غيرهِ من جنسِ مالا يوهبُ
كُشِفَ الغِطاءُ لهُ وقد أُسرِي به
فعُلومُهُ لا شيء عنها يَعْزُبُ
ولقاب قوسين انتهى فمحلهُ
من قاب قوسين المحل الأقربُ
ودَنَا دُنُوّاً لا يُزَاحِمُ مَنْكِباً
فيه كما زَعَمَ المكَيِّفُ مَنْكِبُ
فاتَ العبارَة َ والإشارَة َ فضلُهُ
فعليكَ منه بما يُقالُ ويُكْتَبُ
صَدِّقْ بما حُدِّثْتَ عنه فَفي الوَرَى
بالغيبِ عنه مصدقٌ ومكذبُ
واسمع مناقب للحبيبِ فإنها
في الحسنِ من عنقاءَ مُغربَ أغرب
مُتَمَكِّنُ الأخلاقِ إلاَّ أنه
في الحكم يرضى للإله ويغضبُ
يشفي الصدورَ كلامهُ فداواؤهُ
طَوْراً يَمُرُّ لها وطَوراً يَعْذُبُ
فاطْرَبْ لتَسْبيحِ الحَصَى في كَفِّهِ
وَيَلَذُّ منْ كَرَمٍ لهم أن يَسْغَبُوا
والجِذْعُ حَنَّ لهُ وباتَ كمُغرَمٍ
قَلِقِ بِفَقَدِ حَبيبهِ يَتَكَرَّبُ
وسعتْ له الأحجارُ فهي لأمرهِ
تأتي إليه كما يشاءُ وتذهبُ
واهْتَزَّ مِنْ فَرَحٍ ثَبِيرٌ تَحْتَهُ
وَمِنَ الجِبالِ مُسَبِّحٌ ومُؤَوِّبُ
والنَّخْلُ أَثْمَر غَرْسهُ في عامِهِ
وَبَدا مُعَنْدَمُ زَهْوِهِ والمَذْهبُ
وَبَنانُهُ بالماءِ أَرْوَى عَسْكراً
فكأنه من ديمة ٍ يتصببُ
والشَّاة ُ إذْ عَطَشَ الرَّعِيلُ سَقَتْهُمُ
وهم ثلاثُ مئينَ مما يحلبُ
وشَفى جميعَ المُؤْلِمَات بِرِيقه
يا طِيبَ ما يَرْقي به ويُطَيِّبُ
ومشى تظلله الغمامُ لظلها
ذَبْلٌ عليه في الهواجِر يُسْحبُ
وتَكَلَّم الأطفالُ والمَوْتى لَهُ
بعجائبٍ فليعجب المتعجبُ
والجَذْلُ مِنْ حَطَبٍ غَدا لِعُكاشَة ٍ
سيفا وليس السيف مما يُحطبُ
وعَسِيبُ نَخْلٍ صارَ عَضْباً صارِماً
يَومَ الوَغَى إذْ كل عَيْنٍ تُقلَبُ
وأضاءَ عُرْجُونٌ وسَوْطٌ في الدُّجى
عنْ أمرِهِ فكأَنَّ كُلاًّ كَوْكَبُ
وكأن دعوته طليعة قول كنْ
ما بَعْدَها إلا الإجابة َ مَوْكِبُ
تَحْظَى بها أبناءُ مَنْ يدعو لَهُ
فكأَنها وقْفٌ عَلَى مَنْ يُعْقِبُ
للناس فيها وابلٌ وصواعقٌ
نفسٌ بها تحيا ونفسٌ تعطبُ
والمحلُ إذْ عمَّ البلادَ بلاؤهُ
والريحُ يُشْمِلُ بالسَّمُومِ ويُجْنِبُ
واستسلمَ الوحشُ المروعُ لصيدهِ
جُوعاً وصَرَّ مِنَ الحَرورِ الجُنْدبُ
والذئبُ من طولِ الطوى يبكي على
رِمَمِ المَواشي وابنُ دايَة ينعَبُ
والناسُ قد ظنُّوا الظُّنونَ كأَنَّما
سَلَبَتْ قلوبَهم الرياحُ القُلَّبُ
لم تبكِ للأرضِ السماءُ ولا
رقتْ لشائمها البروق الخلبُ
فدعوك مخبوءاً لكل كريهة ٍ
جَلَّتْ كما يُخْبا الحُسامُ ويُنْدَبُ
فَرَفَعْتَ عَشْراً مِنْ أنامِلَ داعياً
فانهلَّ أسبوعاً سحابٌ صببُ
فطغى على بنيانِ مكة َ ماؤهُ
أو كادَ يَنْبُتُ في البيُوتِ الطُّحُلبُ
لولاَ سألتَ الله سُقيا رَحْمَة ٍ
ماتت به الأحياءُ مما يشربوا
فإذا البلاد وكل دارٍ روضة ٌ
فيما يَرُوقُ وكلُّ وادٍ مُعْشِبُ
قد جئتُ أستسقي مكارمكَ التي
يحيا بها القلب المواتُ ويخصبُ
يا مَنْ يُرَجَّى في القيامة ِ حيث لا
أمٌّ تُرَجَّى للنَّجاة ِ ولا أبُ
يا فارِجَ الكُرَبِ العِظامِ وَوَاهِبَ
الــمِنَنِ الجِسام إليكَ منك المهرَبُ
هَبْ لي مِنَ الغُفْرانِ رَبِّ سعادة ً
ما تستعادُ ونعمة ً ماتسلبُ
أيَضيقُ بي أمرٌ وبابُ المصطفى
في الأرضِ أوسَعُ للعُفاة ِ وأرحَبُ
لا تقنطي يانفسُ إنَّ توسلي
بالمصطفى المختارِ ليسَ يُخيَّبُ
أَنَّى يَخِيبُ وقد تَعَطَّرَ مَشْرِقٌ
بِمَدائِحِي خيرَ الأنامِ ومَغرِبُ
آلَ البيتِ ومن لهم بالمصطفى
مجدٌ على السبعِ الطباقِ مطنبُ
حزتمْ عظيماً من تراثِ نبوة ٍ
ما كان دونكُم لها مَنْ يَحجُبُ
الله حَسْبُكُمُ وَحَسْبي إنني
في كلِّ مُعْضِلَة ٍ بِكُم أتحَسَّبُ
ياسادتي حبي لكم ما تنقضي
أعماره وحبالهُ ما تقضبُ
مِنْ مَعْشَرٍ نَزَلوا الفَلا فُحصونُهُمْ
بيدٌ بأطرافِ الرماحِ تؤشَّبُ
ما فيهمُ لسنانِ عَيْبٍ مَطْعَنٌ
كلاَّ ولا لحسامٍ ريبٍ مضرب
وعلى الخصاصة ِ يؤثرونَ بزادهم
ويلذ من كرمٍ لهم أن يسبغوا
لا تَنْزع اللُّوَّامُ أثْوابَ النَّدى
عنهم ويُخْصِبُ جُودُهم أنْ يُجْدِبوا
جُبِلوا على سِحْرِ البَيان فجاءهم
حَقُّ البيانِ عَنِ الرِّسالة ِ يُعْرِبُ
فاستسلَموا للعَجْزِ عنه وذو النُّهَى
تأبى نهاه قتالَ من لا يغلبُ
جاءت عجائبهم أمامَ عجائبٍ
أمُّ الزَّمانِ بِهِنَّ حُبلَى مُقْرِبُ
مابال من غضبَ الإلهُ عليهم
حادوا عن الحق المبينِ ونكبوا
كَفَرَتْ عَلَى عِلمٍ بهم علماؤهم
جَرِبَ الصَّحيحُ ولَمْ يَصِحَّ الأجربُ
هَلاَّ تَمَنَّى المَوتَ منهمْ معشرٌ
جحدُوه فامتحنوا الدواء وجرَّبوا
أفيؤمنون به وممن جاءهم
بالبَيِّناتِ مُقَتَّلٌ ومُصلَّبُ
عَبَدوا وموسى فيهمُ العجلَ الذي
ذُبحوا به ذبحَ العجولِ وعُذِّبوا
وصبوا إلى الأوثانِ بعد وفاتهِ
والرُّسْلُ مِنْ أَسَفٍ عليهم تَنْدُبُ
وَإذا القلوبُ قَسَتْ فليس يُلينها
خلٌّ يلومُ ولا عدوٌ يعتبُ
وَأخو الضَّلالَة ِ قالَ عيسى ربُّه
وَنَبِيُّهُ فأخو الضَّلالِ مُذَبْذَبُ
ويقول خالقهُ أبوهُ وإنهُ
ربٌّ وإنسانٌ ألا فتعجبوا
أبِهَذه العَوراتِ جاءتْ كُتبُهُم
أم حرفوا منها الصوابَ ووربوا
فاعوجَّ منها ما استقامَ طلوعهُ
فكأنها بين النجومِ العقربُ
عجباً لهم ما باهلوه ولم أبتْ
أحْبارُ نَجرانَ الذينَ تَرَهَّبُوا
ولقد تَحَدَّى بالبيانِ لِقَومِهِ
وإليهمُ يُعزى البيانُ وينسبُ
فتهيبوهُ وما أتوهُ بسورة ٍ
مِنْ مِثله وبيانُهُم يُتَهِيَّبُ
مَنْ لم يؤهلهُ الإلهُ لحالة ٍ
فاتَتْهُ وهوَ لِنَيْلِها مُتَأَهِّبُ
عجباً لهم شهدوا له بأمانة ٍ
حتى إذا أَدَّى الأمانة كذَّبوا
فَرْضٌ عَلَى كلِّ الأنامِ مُرَتَّبُ
بالصِّدْقِ عند المشركينَ يُلَقَّبُ
جحدوا النبي وقد أتاهم بالهدى
لَوْلا القضاءُ سأَلتَهُمْ ما المُوجَبُ ,,
لله يومُ خروجِه من مكة ٍ
كخروجِ موسى خائفاً يترقبُ
والجنُّ تنشدُ وحشة ً لفراقهِ
شِعراً تَفِيضُ به الدُّموعُ وتُسْكَبُ
والغارُ قد شنَّتْ عليه غارة ً
أعْداؤُه حِرْصاً عليه وأجلبُوا
أرأَيتَ مَنْ يَجْفو عليه قَوْمُه
تحنو عليه العنكبوتُ وتحدبُ
إن يكفروا بكتابهِ فكتابهُ
فلكٌ يدورُ على الوجودِ مكوكبُ
قامت لنا وعليهمُ حُجَجٌ به
فبدا الصباحُ وجنَّ منه الغيهبُ
فتصادمَ الحقُّ المبينُ وإفكهمْ
فإذا النُّفُوسُ عَلَى الرَّدَى تتَشَعَّبُ
فدعوا نزالِ فأوقدتْ نيرانها
سمرُ القنا والعادياتُ الشرَّب
فإذا بِدِينِ الكُفْرِ يَنْدُبُ فَقْدهُ
ذُرِّيَّة تُسْبَى وَمالٌ يُنْهَبُ
أظفارها في كلِ صيدٍ تنشبُ
أبداً عَلَى أعدائه تَتَلَهَّبُ
حتى بكى عَمْراً هِشامٌ في الثَّرَى
من ذلة ٍ ونعى حيياً أخطبُ
لاتنكروا بغضي عدو المصطفى
إني ببغضهم له أتحببُ
هذا وَنُطْقِي دائماً بمدِيحِهِ
أذكى من الوردِ الجنيِّ وأطيبُ
أُهْدِي له طِيبَ الثَّناءِ وإنه
ليحبُّ أن يهدى إليه الطيبُ
أثني عليه تشوقاً وتعبداً
لا أنني لصفاته أستوعبُ
مُسْتَصْحِباً حُبِّي وإيماني لهُ
وكلاَهُما مِنْ خَيْرِ ما يُسْتَصْحَبُ
أشتاقُ للحرمِ الشريفِ بلوعة ٍ
في القلبِ تحدو بي إليه وتجذبُ
ما لي سِوَى ذِكْرِي لهُ في رِحْلَتي
زَادٌ وَلا غَيرُ اشتياقي مَرْكَبُ
وتحية ٍ مني إليهِ يردها
منه عليَّ مُسَلِّمٌ ومُرَحِّبُ
صلَّى عليه الله إنَّ صلاتَهُ
ما حنَّ مشتاقٌ إلى أوطانهِ
مثلي وراحَ بوصفها يتشببُ
البوصيري العصر العباسي
,[/align]
|