حـــرب اليمـن
لقد انتقل الأمير خالد السديري لجوار ربه قبل أكثر من ربع قرن ويطيب لي أن أكتب عن دوره في أحداث حرب اليمن عندما كان مسئولاً في نجران من خلال معرفتي وأهتمامي وقربي من موقع الحدث .
لقد كانت حرب اليمن فترة عصيبة من تاريخ نجران بشكل خاص الذي ينع** على تاريخ المملكة بشكل عام ولأنني من المعاصرين لتلك الفترة رغم حداثة سني منذ بداية الثورة اليمنية وحتى نهاية الأحداث وإعتراف المملكة بالجمهورية اليمنية فأحب أن أذكر الأتي :
أولاً : ثورة 26 سبتمبر 62 لم تكن الأولى على أسرة حميد الدين بل سبقها عدة محاولات للإطاحة بهذه الأسرة ولكنها فشلت .
ثانياً : ثورة 62 سبق لها الإعداد والتخطيط من قبل القيادة المصرية في فترة توهجها في عهد عبد الناصر صحيح أنها قامت بأيادي يمنية لكن الدعم المعنوي والمادي والعسكري كان مصرياً بدليل حضور القوات المصرية بعد الثورة بوقت قصير .
ثالثاً : الثورة في اليمن بالنسبة لجمال عبد الناصر لم تكن إلا البداية لأن أحلامه كانت أبعد بكثير من الثورة اليمنية كان الهدف هو أكبر وذلك إتضح فيما بعد حيث كان الهدف هو نشر المد الثوري للجزيرة العربية وشمالها من خلال اليمن .
ومن هنا تأتي أهمية ما حدث في نجران لأن نجران كانت المنطقة المتاخمة لليمن والتي ترتبط بحدود برية طويلة منها ما هو صحراوي ومنها ما هو جبلي ولذلك كان التركيز قوياً من قبل الجيوش المصرية على هذه المنطقة جوياً وبرياً لفتح ثغره على الحدود السعودية . ومن هنا أدرك الأمير فيصل ( الملك لاحقاً ) رحمه الله هذه الخطة وبذلك أصبحت نجران في قلب الحدث بين زعيمين عربيين فيصل ببعده الإسلامي وعبد الناصر ببعده القومي .
لقد قصرت الحديث المطول حتى أعطي فكره عن أهمية نجران وما حدث فيها والرجال الذين أنتدبوا لهذه المهمة المصيرية والهامة فيما يخص إستقرار الأوضاع في ذلك الجزء الحساس . فإذا عرفنا أن الملك فيصل إنتصر في النهاية على جمال عبد الناصر بخروج القوات المصرية من اليمن وحرمانه من بلوغ أهدافه التي كما ذكرنا كانت تتعدى حدود اليمن فلابد لنا أن نتعرف على الرجل الذي أنتدب لهذه المهمة في نجران وهو بلا شك رجل الساعة آنذاك الأمير خالد السديري الذي جاء مشرفاً على إمارة نجران بعد الثورة مباشرة وكلمة مشرف تعني أشياء كثيرة فهو لم يكن أميراً للمنطقة وحسب بل أعطي صلاحيات واسعة سواء من الناحية العسكرية والأمنية أو من ناحية الشئون الداخلية . وقد لعب الرجل دوره بإتقان منقطع النظير . إستطاع من خلال تنفيذ توجيهات رؤساءه المتمثلة بدعم القوه الملكية المرتكزة على القبائل اليمنية ضد القوات المصرية الغازية , وبسبب فهمه للعقلية اليمنية القبلية عزز مفهوم أن ترى هذه القبائل في القوات المصرية أنها قوات غازية هدفها إحتلال اليمن وليس مساعدته وإستخدامه كوسيلة لنشر مده الثوري لدول الجزيرة العربية وبالذات المملكة . وكنا نرى كيف أن بعض أفراد القبائل اليمنية يتوافدون بالآلاف على نجران للحصول على التموين في سلم اجتماعي مدهش والإنطلاق لمحاربة الجيش المصري على الجهة المحاذية لنجران مثل الجوف وصرواح والخارد حتى حدود بلاد سحار وهمدان المحاذية لنجران في منطقة صعده . لقد كانت القوه الملكية القائمة على القوى القبلية تنظر لهذه القوات كقوات غازية تختلف معهم في كل شيء من حيث العادات والتقاليد والممارسات التي ينظرون لها بعين الريبة . وأصبحت القوى المصرية لقمه سائغه لهم . نعود فنقول أن تلك المرحلة كانت مرحلة حاسمة للمملكة في مواجهة المد الناصري وقد تم التعامل معها بإستخدام جميع الوسائل السياسية والتكتيكية المتاحة في ذلك العصر وتم من خلالها تحقيق الإنتصار في داخل اليمن دون أن يشترك جندي سعودي واحد وقد أدى المفوض بإدارة هذه المواجهة في ساحة نجران الأمير خالد السديري دوراً رئيسياً ومشرفاً وهذه حقيقة ما جرى من شاهد على المرحلة .