(10)
فكان من توفيق الله حين فرغوا **** الله من حوايجهم: ابرهيم واصحابه، التي كانت لهم عند النعمان بن المنذر صاحب العرب، واخذوا جواب كتبهم، انصرفوا حتى وصلوا ودخلوا على يسطين ملك الروم، محب المسيح، فاخبروه بكل شي كان، وبالذي سمعوا وحضروا من فعل عدو الله صاحب سبا واخبروه بالذي هو عليه من القوة.
فلما سمع ذلك الملك، اشتد عليه ذلك جدا وكتب من يومه الى طيماثاوس، بطريرك الاكسندرية، يامره ويساله ان يكتب الى
الاسباب ملك الحبشة النجاشي يحثه لكيما ان يخرج بجيوشه الى الخبيث صاحب سبا فيهلكه ولكل ملكه.
وكتب يسطين ايضا الى الاسباس، محب المسيح، يقول له في كتابه: "قد عرفت ياخي نصرانيتك الصالحة ودينك الحسن الحق، وقد بلغني ان المنافق الذي على ارض سبا وجد منك خلوة فغار على كل نصراني بارض سبا والحبشة والروم والفرس فقتلهم منجل انهم لم يكفروا بالمسيح ربنا، وانه قد اخرب نجران، المدينة الصالحة، وقتل من قدر عليه من اهلها.
وبلغني انه كتب الى ملك فارس والى النعمان بن المنذر، صاحب العرب، ان يفعلان ذلك بمن كان تحت ايديهم من النصارى".
"وانا اسلك واناشدك بالاب والابن وروح القدس، الطبيعة الواحدة، الاله الواحد القوي، ان تخرج بعون الله وعون ملايكته القديسين، اما في البر واما في البحر الى الخبيث المنافق النجس عابر الناموس فتهلكه عن جديد الارض".
وتكون تعلم الان ياخي ان انت اتكاسلت عن ذلك ان اله السما سايرجز عليك وعلى ملكك، وانا فلا بد لي، ان انت لم تخرج، ان اخرج بالامم الذين يقال لهم فنطق وبرنيفس وبلمنون وبادون وجيوش اخر كثيرة حتى اغزوا الخبيث، فاذا مروا بارضك ابادوها واخربوها، ثم امر بك فاخربك واهلك وارضك واهلها من قبل ان اتي اليه لان الطريق في بلدك اذا مررت اليه".
"ثم اني اصير اليه ان شا الله، بعون الله ونصره، فاهلكه مع جميع ملكه، بعون ربنا يسوع المسيح، مثل فرعون الاول بقساوة قلبه بعد البلايا الكثيرة حيث كان يلحق بني اسرايل فاغرقه الله في البحر الاحمر، وهذا الان جهاد فرعون الثاني لانه صنع بشعب المسيح اشر مما صنع فرعون الاول، وحيث كتب الى كل بلاد ومكان يريد هلاك النصارى.
ولكن ارجو ان قد وقع في الحفرة التي حفر كما قال في الكتاب ان الله يخلص المومنين من الموت ويحتبس الكفار ليوم العذاب".
ففي ابرلس، شهر الروم، جمع بطريرك الاكسندرية كل نصاراها وارسل الى رهبان البرية وجمعهم في كنيسة مار مرقس، الرسول المبشر، فصلوا كلهم وسهروا ليلتهم، حتى اذا اصبحوا صنع قربان فتقربوا جميع الناس وتضرعوا الى الله ليقبل منهم ما اجتمعوا يسلوه اياه.
ثم ان طيماثاوس البطريرك اخذ بقية القربان فجعله في انا من فضة وبعث به مع اناس من الكهنة الى الاسباس، النجاشي ملك الحبشة، محب المسيح، وبعث اليه كتاب فيه عظة وكلام حسن يامره ان يغزو المنافق الخبيث - كما فعل صمويل بشاول الملك حيث بعثه الى عماليق، وامره ان يلعنه ويلعن ملكه ويحرق ارضه - وكما امر صمويل بشاول ايضا ان يفعل بعماليق.
فلما ذهبوا الرسل اليه وجدوا مختار الله، الاسباس، قد تهيا للخروج اليه قبل ان ياتيه كتاب من احد، وكان قد جمع ماية الف وعشرين الف مقاتل.
وقد كان انطلق رجل من اهل نجران الى الاسباس ملك الحبشة، وكان الرجل من اهل بيت الحارث، الشاهد القديس، وكان اسم الرجل حيار بن القيض، فاخبروه بما كان صنيع عدوا الله بنجران.
وكان من توفيق الله انه دخل ارض الحبشة سفن التجار من الروم والفرس والهند ومن جزاير، ستين سفينة فرسان، ومن ايلة خمسة عشر، ومن القلزم عشرين، ومن يوطابس سبعة سفن، ومن برنيقيوس ثلثين سفينة، ومن فاران سبعة سفن.
فاجتمعوا في مينا يقال له عبرا من كورة ادبين، وامر بهن الملك ان يجمعن ويرفعن حتى صنع سبعين سفينة.
(11)
ثم انه بعث في البرية خمسة عشر الف مقاتل من السودان وامرهم ان يستعدون في مكان من ارض سبا حتى اذا جات السفن تكون غربي الخبيث وهم شرقيه.
فساروا السودان خمسة عشر مرحلة فقطع بهم الما، واقاموا سبعة ايام ولم يشربوا ما فهلكوا من اخرهم، ولم يبلغوا حيث كانو ارسلو، ولا رجعو من حيث جاؤا.
فلما كان يوم العنصرة عبا الاسباس جيوشه، حين اراد الخروج، واعرض المقاتلة واعطاهم ارزاقهم.
ثم انه جا الى الكنيسة التي يقبر فيها ملوك الحبشة واساقفتهم، فقام في الاسطوان الذي قدام الكنيسة فخلع ثيابه وشكل ملكه الحسن كله وجميع ما كان للملوك عادة ان يتجملون به، ثم لبس ثياب دون ودخل الى الكنيسة فتعلق بقرون المذبح، ورفع نظره الى السما وصلا وتضرع الى الله وقال: "اللهم رب كل شي، وخالق كل شي، ما يرى وما لا يرى، لك تسبح الآلاف والربوات من الملايكة.
السارفين والشاروبين لك يمجدون ويقولون بافواه لا تصمت: قدوس قدوس قدوس انت يا رب الصباوت، قدوس القديسين واله الالهة، ورب الارباب، وملك الملوك، اب ربنا يسوع المسيح، لابس النور، الغالب الناصر".
"انت سررت ببعثه، ابنك وكلمتك الذي من طبيعتك، لتهدي الانسان الضال: الشاة التي ضلت من عدد الماية، الشاة الواحدة.
هو الذي نزل من السما كما شا، ولم يفارق السما، وتجسد من روح القدس ومن مريم العذرا وصار بشرا، وصنع خلاص لبني ادم وانارنا من الظلمة لنعرفك يا اله اباينا مع كلمتك وروح قدسك.
والان كمثل هذا اليوم الارض الكافرة قتلت ام مع اولادها ايضا، وكهنتك الطاهرين ذبحوا مثل الغنم، وعلى اسم ابنك الوحيد ذبحوا على قرون المذبح، وقبلتهم بخور وقربان".
"اللهم اله السما والارض، فاني بامانة بك وعونك انطلق واناصب عدوك، وبصليب مسيحك انتصر، فلا تخزيني من رجاي لكيما لا يقولون الذين لا يعرفون اسمك: اين الاههم؟
فان كانت كثرة خطاياي يردان صلاتي ويمنعوها ان تقبل مني فاقتلني انت يا رب في مكاني هذا بين يديك، ولا تسلم انفس ميراثك بيدي الكافر ومن معه، الكفار الذين يجدفون على اسمك، لانا نحن امتك وغنم رعيتك، ولك نعبد ونسبح الى الدهر الداهرين".
حينيذ اخرج رجال من مدينته واجتمع اليه ثلاثة عشر الف مقاتل.
وان الاسباس، محب المسيح، سمع ان راهب صالح من **** الله المختارين، فانطلق اليه واخذ معه نفر من اصحابه وابدل شكل ملكه.
وكان الراهب محبوسا في صومعة صغيرة، طولها خمسة اذرع، وعرضها ذراعين، وليس فيها باب ولا كوة الا ثقب في اسفلها.
وكان قايما على رجليه منذ خمسة واربعين سنة، ولم يكن احد يراه، ولا هو كان يرى احد.
فقال له من ذلك الثقب: "يابونا، صلي علينا ليخلصنا الله في طريقنا، ويعيننا على ما استعناه".
فقال الراهب: "يكون الرب معك، وهو الذي يملك الملوك ولكن انزع الغش لكيما ينزع منك".
فقال له الملك: "ومن نحن يابونا؟".
فقال له الراهب: "لا تعود تسلني شيا".
وكان الملك قد اراد ان يعطيه سبعة اقرصة من بخور، في كل قرص منها عشرة دنانير.
حينيذ علم الملك ان الراهب انما اعنا الدنانير حين قال له: انزع الغش وينزع منك.
وقال الملك ايضا: "صلي علي يابونا".
فقال له الراهب: "صلاة طيماثاوس راس رعية الاكسندرية، ودموع ملك الروم، وذبيحة الشهدا الطيبة الريح، قد وضعن جميعا على مذبح الله الذي في السما".
حينيذ صلا عليه الراهب ورجع الملك إلى مكانه.
وامر الناس ان يتزودون معهم زاد لعشرين ليلة فقط. وبلغه ان الجيشة الخمسة عشذ الف، السودان الذي كان بعث في البر، قد هلكوا جميع، فعلم انه لا يستطيع يقاتل في البر، حينيذ خرج في البحر بسفنه ومتوكلا على ربه.
(12)
فحين بلغ ذلك الملك اليهودي الخبيث، احتال كما يظن نفسه انه الصادقة، وانه صنع سلسلة من حديد عظيمة فيها خمسين
عروة، وزن كل عروة ماية وثمنين رطلا، وجعل في تلك العرا خشب من نخل الدوم، ثم جا بها الى مكان من البحر يقال له المضيق بين ارض الحبشة وارض سبا، ثم بسطها في ذلك المكان من الجزيرة الى الجزيرة، والزق السلسلة بالعري واسقاها رصاص كثير، وكانت الخشب حيث كان الما يحمل السلسلة، وكان عرض المكان مقدار ثلثة اميال.
وان عدو الله اقبل في جيوشه الى المكان الذي كان وعده الاسباس يلقاه في البحر، واقبل الاسباس بسفنه حتى دنوا من المضيق، ولم يعلموا بالسلسلة، فجاءت سفينة لتجوز، فاحب الله تبارك وتعالا ورفعها الموج فجازت السفينة ولم تصاب بشي وسلمت، ثم تبعها تسعة اخر فجزن بين خشب الدوم، وكانت الامواج ترفع السفن عن السلسلة، ولم يصاب منهن شي وسلمن، واحب الله وقام في البحر موجا شديدا عظيما فلم يزال يضرب تلك السلسلة حتى قطعها، فبطلت حيلة الملعون.
ثم جازت عشرة سفن اخرى، فسرن جميع العشرين سفينة حتى ارسين بحذا عسكر المنافق، فكانت منه على خمسة عشر ميلا. فبعث اللعين بحذا السفن ثلثين الف مقاتل على خيلهم متسلحين، ليس يرى منهم شي الا الحدق، وامرهم ان يدخلون بخيلهم في الما بحذا السفن حتى يكون الما من قوايم الخيل الى الركب، وكذلك فعلوا. وردت الريح الحبشة الى وراهم قدر ثلثة اميال في البحر.
فبعد ثلثة ايام اقبلت اربعين سفينة اخر فكانت من عسكر العدوا على مقدار ثلثة مراحل. ومكث ملك الحبشة في تلك السفن العشرين في مكان اخر. فظن الخبيث ان ملك الحبشة في الاربعين سفينة، فاخذ جيوشه وانطلق اليها ووقف بحذاها، واقبلوا السفن كلهم حتى ارسين، وبعث اللعين ايضا الى السفن الاخر مقاتلة ايضا فكان بحذا كل مجمع سفن خيل واقفة في البحر، الما منها الى الركب.
فمن كان في السفن قد اذاه الجوع والعطش، ومن كان في البر كان الحر يوذيه النهار اجمع، ولكن الخبيث احتال وصنع مظالا ورفعها على الرماح، وكانت الجمال تحملها فتظلل على الخيل. فلما راوا ذلك الذين كانوا في السفن، جشت انفسهم وقالوا: "هذه الجبال قد سخرت وهي تمشي"، وتخوفوا ان يخرجوا من السفن الى القتال.
وان ملك سبا اللعين بعث نسيب له في عشرين الف من الجيش الى العشرين سفينة التي كانت على الساحل، وكان فيها ملك الحبشة. وظن خصي كان لنسيب الملك اللعين انه انما ذهب ليعرض الخيل، فاتبعه واخذ معه خمس جامات مفصصة بالياقوت والزمرد وحملهم بغفلهم، حتى بلغوا بحذا السفن فوجدوا القوم مستعدين.
فاوقف نسيب المنافق خيله بحذا السفن كمثل الاخر، ثم انطلق هو وخصيه ذلك وثلثة من غلمانه الى بطن الجبل الذي كان يليهم. وكان غلمان لملك الحبشة قد خرجوا على رمث لهم، من الجوع والعطش، الى البر يلتمسون شي ياكلوه، فاذا هم بنسيب ملك سبا فاخذوه، وقتلوا اصحابه، وحملوه على رمثهم ودخلوا به على الاسباس ملك الحبشة وهو في السفينة، فسايله الاسباس عن كل ما يريد، وانذر حينيذ ملك الحبشة الخمسة جامات لله.
(13)
ثم خرج حينيذ ملك الحبشة، الاسباس، ومن معه من السفن الى القوارب فساروا الى ساحل البحر، على الشط، فنزلوا في الما، وكانت الخيل بحذاهم ايضا في الما، فتواقع القوم فنصر الله عبده الاسباس ملك الحبشة على الكفار، اعدا الله، فقتلهم حتى لم يبقى منهم احدا. فبلغ ذلك المنافق ملك سبا وهو بحذا السفن الاخر. وان الاسباس اخذ نسيب الملك مربوطا حتى انطلق به في طريق اخرى حتى انتهوا الى مدينة الملك اللعين التي تدعا طافرون وانه استحوذ عليها، ثم اخذ نسا اللعين المنافق، ونسيبه ذلك الذي اخذه، وكانوا يدلوه على كل شي حتى اخذ كل اموالهم.
فاما من كان في السفن اصابهم جوع شديد وعطش فمات منهم خمسماية رجل ولم يعلمون ماذا فعل ملكهم بعد. فعند ذلك
تشاوروا الريسا فيما بينهم وقالوا: "اما نحن فليس نستطيع نرجع الى ارضنا، وها هنا الجوع والعطش قد اهلكنا! وما ندري ما فعل ملكنا! فان نحن متنا من الجوع والعطش فنحن نجعل النصرانية ضحكة لليهود! ولكن تعالوا ندعوا الى ربنا ان يعيننا في القتال وينصرنا على هذا العدوا الخبيث".
القديس حارث بن كعب
ثم انهم جمعوا سفنهم والزقوها بعضها الى بعض وربطوها بالحبال والاجداف وكل عود فيهم حتى صاروا مثل مدينة، ولم تكون واحدة منهم تتحرك. ثم ظللوا عليهم بالقلوع، وجاوا بالبواصي فالزقوهم بعضهم الى بعض وصفوهم صفا واحدا، وجعلوهم كمثل الحايط فكانوا بينهم وبين العدوا. ثم صلوا الى الله وتضرعوا اليه، الى الرب الرحوم القريب الرحمة، وذبحوا له ذبيحة روحانية وتقربوا قربان جسد المسيح الحق.
ثم نزلوا من السفن مستعجلين في البواصي، وكانوا النواتية، بين يديهم يدفعون السناديل فكانت مثل الحايط بين الحبشة وبين المنافقين. وقبل ذلك بيومين سمع اليهودي ملك سبا ان الاسباس ملك الحبشة قد دخل مدينته وحاز الاهل والاموال، ففزع ان يخبر اصحابه وانسباه بما كان من امر الملك، ملك الحبشة، فيسلموه. وكان معه سبعة من اقرباه، فامرهم ان يربطوا وربطوه هو ايضا بسلاسل من حديد. وكان قاعد في رواقه على سرير من ذهب وهم على سبعة كراسي من ذهب.
وكان المقاتلة يثقبون السناديل برماحهم، والحبشة من الجانب الاخر قد ضيق عليهم في الما، فبكوا وصاحوا الى الله ربهم بصوت عالي وتضرعوا اليه واستغاثوه به، فجاهم صوت من السما سمعوه كلهم من اخرهم وهو يقول: "جبريل جبريل جبريل". حينيذ خرج راهب من الحبشة ومعه عصا حديد وفي راسها صليب وفي اسفلها مثل راس الرمح، فطلع من بين سندالين فتناول بذنب فرس بيده اليسرى ثم بعج بطنه باسفل عصاته حتى واراها في بطن الفرس. عند ذلك ارتكض وصرخ فارسه ففزعوا جميع اصحابه، وفروا هاربين منهزمين.
وتبعوهم الحبشة فقتلوهم من اخرهم حتى انتهوا الى رواق الملك، فوجدوه ومعه انسباه مربطين بالسلاسل، فاخذوهم. وكان في ذلك اليوم نصر من الله عظيما.
فبلغ ذلك الاسباس الملك فاقبل حتى اخذ الخبيث ورهطه السبعة الذين كانوا معه. ثم ان الاسباس بنا في موضعه مذبحا وذبح فيه الخبيث ملك اليهود، وقرب دمه لله وقتل قرابته السبعة. ثم اخذ بقية اصحابه وعساكره وانصرف الى مدينة المنافق سبا، فاخربها واحرقها بالنار، ولم يترك فيها حمار ولا طير ولا بهيمة الا قتله، فضلا عن الناس، وقرب كل شي كان في بلاطه لله. ومن تبقا من القتل من ريسا سبا استغاثوا بالملك وتنصروا.
تأسيس مملكة مسيحية في جنوب الجزيرة العربية
حينيذ، الاسباس الملك ابتدا فحفر بيده في الارض عند بلاط الملك ستين يوما، ثم انه اسس فيه كنيسة لله، وبعث الى بطريرك الاكسندرية طيماثاوس وكتب ايضا الى يسطين فاعلمهم بالذي كان من نصر الله وعونه.
فبعث اليه طيماثاوس اسقف من قبله كان عبدا لله صالحا، فصنعه الاسباس على ارض سبا كلها. ثم انه قدس تلك الكنايس التي بناها الملك، واعمد كل من كان بارض سبا بسم الاب والابن وروح القدس، ونصرهم كلهم، وصنع في كل مدينة قسيسين وشمامسة ورهبان.
ثم انطلق الاسباس، ملك الحبشة، والاسقف معه حتى جاوا الى نجران، المدينة، فبناها وجدد كنايسها، وبنا في المكان الذي قتلوا فيه الشهدا كنيسة وحصنها، وصير بن الحارث ريس على البلد كله كما كان ابوه، ووهب الملك لكنيسة نجران خمسة مزارع من الملك، وثلثة من مال الحارث القديس كما كان اوصا عند قتله وشهادته.
ثم انصرف الملك بفرح عظيم الى مدينة سبا وجعل عليهم ملك، رجل صالح يقال له ابرهيم، وديع رزين تقي خالص الدين، ودفع اليه الاسقف وعشرة الف فارس من نصارى الحبشة.
نــهـــــــــايـــة صــالحـــــــــة
ثم انصرف الاسباس، ملك الحبشة، الى ارضه وملكه بذلك الفرح والنصر من المسيح، واخذ معه بزة كثيرة وغنا عظيم. فلما انتها الى بلاده، قال الاسباس محب المسيح: "ايش اكافي ربي بدل هذا كله الذي صنع الي الان؟ اكافي ربي واقرب له نفسي وجسدي".
ثم انه ترك ملكه وغناه ودنياه وخرج في جوف الليل وحده على رجليه حتى انتهى الى دير كان في راس الجبل، وكان في ذلك الجبل رهبان طيبيين. فدخل الملك الى ذلك الدير الذي في راس الجبل، وصار في صومعة وسدها عليه، وجعل على نفسه الا يخرج منها حتى يموت فيها.
ولم ياخذ معه شيئا الا مصاحفه، وكوز، وملافنه، وثيابه التي كانت على جسده، يلبسها للرهبانية. وكان طعامه ايام حياته شي يسير من الخبز اليابس وملح جريش، وشربه الما. ولم يكلم في رهبانيته علماني، ولا نظر الى وجه احد حتى تنيح.
وكان قد بعث بتاجه، الذي كان يلبس على راسه، الى بيت المقدس، انذره لله. وكان تاجه ذلك من ذهب مفصص بالياقوت والزمرد.
وكتب الى يحنا اسقف بيت المقدس يناشده بالله ان يعلق ذلك التاج على باب المقبرة معطية الحياة، من حيث خرج بدو القيامة واول الحياة، الذي اورا ربنا يسوع المسيح بن الله الحي الذي قام في ذلك المكان من الموت، له التسبحة للابد. امين.