إِلى عَرَفـاتِ اللهِ يـا خَـيرَ زائِرٍ
*
عَلَيكَ سَـلامُ اللهِ في عَرَفـاتِ
وَيَومَ تُوَلِّي وِجهَةَ البَيتِ نـاظِرًا
*
وَسيمَ مجَالى البِشرِ وَالقَسَماتِ
عَلى كُلِّ أُفْقٍ بِالحِجازِ مَلائِكٌ
*
تَزُفُّ تَحـايـا اللهِ وَالبَرَكاتِ
إِذا حُدِيَت عِيسُ المُلوكِ فَإِنَّهُم
*
لِعيسِكَ في البَيداءِ خَيرُ حُداةِ
لَدَى البابِ جِبريلُ الأَمينُ بِراحِهِ
*
رَسـائِلُ رَحْمـانِيَّـةُ النَفَحـاتِ
وَفي الكَعبَةِالغَرّاءِ رُكنٌ مُرَحِّبٌ
*
بِكَعبَـةِ قُصّـادٍ وَرُكنِ عُفـاةِ
وَمـا سَكَبَ الْميزابُ مـاءً وَإِنَّما
*
أَفاضَ عَلَيكَ الأَجرَ وَالرَحَماتِ
وَزَمزَمُ تَجري بَينَ عَينَيـكَ أَعيُنـًا
*
مِنَ الكَوثرِ الْمَعسولِ مُنفَجِراتِ
وَيَرمونَ إِبليسَ الرَجيمَ فَيَصطَلي
*
وَشـانيكَ نيرانـًا مِنَ الْجَمَراتِ
يُحَيّيكَ طَـهَ في مَضـاجِعِ طُهرِهِ
*
وَيَعلَمُ ما عالَجْتَ مِن عَقَباتِ
وَيُثني عَلَيكَ الراشِدونَ بِصالِحٍ
*
وَرُبَّ ثـَنـاءٍ مِن لِسانِ رُفـاتِ
لَكَ الدينُ يارَبَّ الحَجيجِ جَمَعتَهُم
*
لِبَيتٍ طَهورِالسـاحِ وَالعَرَصـاتِ
أَرى الناسَ أَصنافًا وَمِن كُلِّ بُقعَةٍ
* إِلَيـكَ انتَهَوْا مِن غُربَةٍ وَشَتـاتِ
تَساوَوْا فَلا الأَنسابُ فيها تَفاوُتٌ
*
لَدَيْكَ ، وَلا الأَقـدارُ مُختَلِفـاتِ
عَنَتْ لَكَ في التُرْبِ المُقَدَّسِ جَبْهَةٌ
*
يَدينُ لَهـا العـاتي مِنَ الْجَبَهـاتِ
مُنَوَّرَةٌ كَالبَـدرِ ، شَمّـاءُ كَالسُّها
*
وَتُخفَضُ في حَقٍّ ، وَعِندَ صَلاةِ
وَيا رَبِّ لَو سَخَّرتَ ناقَـةَ صالِحٍ
*
لِعَبدِكَ ما كانَت مِنَ السَلِساتِ
وَيا رَبِّ هَل سَيـَّارَةٌ أَو مُطارَةٌ
*
فَيَـدنو بَعيـدُ البيـدِ وَالفَلَواتِ
وَيا رَبِّ هَل تُغني عَنِ العَبدِ حَجَّةٌ
*
وَفي العُمـرِ مـا فيـهِ مِنَ الْهَفَواتِ
وَتَشهَدُ ما آذَيتُ نَفسـًا وَلَم أَضِرْ
*
وَلَم أَبغِ في جَهري وَلا خَطَراتي
وَلا غَلَبَتْني شِقْوَةٌ أَو سَعادَةٌ
*
عَلى حِكمَةٍ آتَيـْتَني وَأَنـاةِ
وَلاجالَ إِلاالخَيرُ بَينَ سَرائِري
*
لَدَى سُـدَّةٍ خَـيرِيَّةِ الرَغَبـاتِ
وَلا بِتُّ إِلاكَابْنِ مَريَمَ مُشفِقـًا
*
عَلى حُسَّدي مُستَغفِرًا لِعُداتي
وَلا حُمِّلَتْ نَفسٌ هَوًى لِبِلادِها
*
كَنَفسِيَ في فِعـلي وَفي نَفَثـاتي
وَإِنّي ـ وَلا مَنٌّ عَلَيـكَ بِطـاعَةٍ ـ
*
أُجِلُّ وَأُغلي في الفُروضِ زَكاتي
أُبَـالِغُ فيهـا وَهْيَ عَدلٌ وَرَحمَةٌ
*
وَيَترُكُها النُسّاكُ في الخَلَواتِ
وَأَنتَ وَلِيُّ العَـفوِ ، فَـامْحُ بِنـاصِـعٍ
*
مِنَ الصَفْحِ ما سَوَّدتُ مِن صَفَحاتي
وَمَن تَضحَكِ الدُنيا إِلَيهِ فَيَغتَرِرْ
*
يَمُتْ كَقَتيلِ الغِيدِ بِالبَسَماتِ
وَرَكْبٍ كَإِقبـالِ الزَمـانِ مُحَجَّلٍ
*
كَريمِ الحَواشي كابِرِ الخُطُواتِ
يَسـيرُ بِأَرضٍ أَخـرَجَت خَـيرَ أُمَّـةٍ
*
وَتَحتَ سَماءِ الوَحيِ وَالسُوَراتِ
يُفيـضُ عَلَيهـا اليُمـنَ في غَـدَواتـِهِ
*
وَيُضفي عَلَيها الأَمنَ في
الرَوَحاتِ إِذا زُرتَ يـا مَولايَ قَـبرَ مُحَمَّدٍ
*
وَقَبَّلتَ مَثوى الأَعظُمِ العَطِراتِ
وَفاضَتْ مِنَ الدَمعِ العُيونُ مَهابَةً
*
لأَحْمَـدَ بَينَ السِـترِ وَالحُجُـراتِ
وَأَشـرَقَ نورٌ عنـدَ كُلِّ ثـَنِيـَّةٍ
*
وَضاعَ أَريجٌ تحتَ كُلِّ حَصاةِ
لِمُظهِـرِ دينِ اللهِ فَوقَ تَنوفَـةٍ
*
وَباني صُروحِ المجدِفَوقَ فَلاةِ
فَقُل لِرَسولِ اللهِ : يا خَيرَ مُرسَلٍ
*
أَبُثُّكَ مـا تَـدري مِنَ الحَسَراتِ
شُعوبُكَ في شَـرقِ البِـلادِ وَغَربِهـا
*
كَأَصحابِ كَهفٍ في عَميقِ سُباتِ
بِأَيْمـانِهِـم نُورانِ : ذِكرٌ ، وَسُنـَّةٌ
*
فَما بالُهُم في حالِكِ الظُلُماتِ ؟
وَذَلِكَ ماضي مَجدِهِم وَفَخارِهِم
*
فَما ضَرَّهُم لَو يَعمَلونَ لآتِ !؟
وَهَذا زَمانٌ أَرضُهُ وَسَماؤُهُ
*
مَجالٌ لِمِقدامٍ كَبيرِ حَيـاةِ
مَشى فيهِ قَومٌ في السَماءِ وَأَنشَؤوا
*
بَوارِجَ في الأَبـراجِ مُمتَنِعـاتِ
فَقُل : رَبِّ وَفِّقْ لِلعَظائِمِ أُمَّتي
*
وَزَيِّنْ لَها الأَفعالَ وَالعَزَماتِ
أحمد شوقي
,