أحيانا اشتاق للماضي فأستعيده. ظهر هذا اليوم إشتقت الى ركوب تاكسي. تركت سيارتي على جانب الطريق. وجلست وكأني لاأملك سيارة انتظر على قارعة الطريق مرور تاكسي.
كان الطريق يعج بسيارات تسابق الريح. كان الناس متسرعين في قيادتهم لسياراتهم. عجبت لذلك المنظر. ماذا ياترى يجعلهم يقودون سيارتهم بهذه السرعه. ماذا يجرون وراءه.
رأيت في تلك الاثناء الطريق عن قرب ولعنات الحفر الفاغرة أفواهها للمساكين. تبدو لطيفة المنظر عن قرب ولكنها تتموج ثم تهفو مثل غانية من العصر العباسي. علمت ان تلك الحفر قد أجبرت أشخاص كثر على دفع أموالهم عبثا دون ذنب منهم بل ذنب وزارة المواصلات التي لايوجد لديها صيانه دائمه لكل شارع الا عندما يكون هنالك زياره لأمير المنطقه.
جلست انتظر التاكسي فلم يمر الا تاكسي كأنه من تكسيات قاهرة المعز في بطء سرعته وقدمه وقد "فات من جنبي" ولم يرني رغم انه كان يسير الهوينا. ربما ان حرارة شمس الظهيرة قد أرهقته فزاد تركيز على تخطي حفر الطريق التي لاتبدو واضحة تحت اشعة شمس الظهيرة الساطعه, وربما انه قد ضرب بخمسه كبسة بخاري يعقبها لبن فهذا تقليد بعض السعوديين عندما يشتد الحر ولكي ينعم بقيلوله بنكهة "متنح"
مر تاكسي اخر وحاول ايتزازي ولكني رفضت الابتزاز وقلت لصاحب التاكسي المبتز ان يذهب الى الجحيم. نظرت الى سيارتي التي كانت واقفه على بعد خطوات وعرفت كم هي مهمة وأحسست وكأنها تنظر الي ضاحكة وتقول: الان عرفت قيمتي.
أدبرت موليا سيارتي ظهري حيث وقفت بعيدا من كل شئ في منتصف الطريق حيث لامبنى ولامحلات توجد خلفي وذلك لأكون بارزا لكل من يمر من التاكسيات فقد استغربت ان المقام قد طال بي ولم يمر الا تاكسيان.
وعندما اوشكت على فقدان الامل بأن يمر تاكسي, وبعد مرور مايقارب الساعه وانا انتظر, وقفت سيارة من نوع "سوني" رمادية اللون "عريضة المنكبين شلولخ". وقفت تلك السيارة على طريقة وقوف سيارات العصابات الامريكية التي نراها في الافلام. نظرت الى ذلك الشخص بتوجس وهو كذلك كان ينظر الي بتوجس فلم أعلم ماذا يريد فالسيارة لاتبدو تاكسياً, اقتربت منه فيالهول المفاجأه انه "أحمد منصور"!!
كلمني بتردد شديد فهو يريد ان يعرف ماهي جنسيتي فلقد كنت لا ألبس ثوبا. اقتربت منه وأدخلت رأسي من النافذه علي أنعم بقسط من البرد الذي في سيارته وسالته: ماذا تريد؟ فلقد ظننت أنه سائق أسرة معينه في الحي ويعرفني ولا أعرفه. قلت: تذهب ولكن بلهجته؟ فرد علي: أين اذهب؟
فقلت له: وكالة بي أم دبليو. فقال لي: أين هي؟ فقلت له: طريق الخبر الدمام السريع فقال لي: عرفتها اركب.
ركبت معه بعد ان اتفقنا على السعر بسرعة البرق فأنا لم أعد احتمال تفويت فرصة التعرف على أحمد منصور الهندي. نعم هذا إسمه وهو يطابق إسم أحمد منصور المصري الذي يعمل في قناة الجزيره والذي له شهرة ذائعه ببرنامجه شاهد على العصر. سألت أحمد منصور وانا اتخوف من الاجابه فقلت له: هذه سيارتك؟ فقال وبكل ثقه: نعم هذه سيارتي.
فقلت في نفسي وبأسى بالغ انه "كداد" ولقد أعتدت طيلة حياتي ان يكون "الكداد" سعودي الجنسيه. لكي أتأكد أني لا أحلم وان هذا الكداد غير سعودي سألته: أنت من أي بلد؟ فقال لي: من الهند, فقلت له أنعم وأكرم لولاكم لم نستطع حتى العمل كسائقي تاكسي. لكي أتأكد انه هندي سألته من أي جزء من الهند هو؟ فقال لي أنه من كيرلا ولكي أتأكد أكثر سألته من أين في كيرلا فقال لي: من كوتشن. هنا تأكدت أن هذا رجل هندي ويعمل كداد.
تقبلت الامر على مضض وسألته عن كيف أمتلك سياره فقال لي: "كنت سواقاً في ثلاثه شركه قبل" هنا حاولت ان اخفف من وطأة حزني على شباب هذا البلد فقلت ربما انه كان يعمل في وظائف جيده في تلك الثلاث شركات وجار عليه الزمن ليعمل كداد ويشقى, فسألته: ماذا كانت وظائفك السابقه لابد انها كانت جيده, إبتسم وقال بلغة خجوله: كنت عامل وأضاف انه لايحمل أي مؤهل. هنا ندمت كثيرا على تساؤلاتي فكل مرة يجيب علي أحمد منصور أحس بكذب شبابنا العاطل وكسلهم.
أخيرا أيقنت أحمد منصور الهندي شخص عصامي وسألته من هم زبائنه فقال لي: أنا عادة لا أتعامل مع السعوديين ولكن الهنود فقط انقلهم من الخبر الى الجبيل والعكس. فسألته وكم تأخذ أجرة على كل مشوار فقال لي: مئة ريال سعودي. قلت له: هل لك كفيل فرد علي: طبعا, وأضاف انه يعطي كفيله خمسة الاف ريال سنويا من عرق جبين سيارته السوني لكي يحفظ له وجوده في هذا البلد ولكي يبقى هو نائم "متنح" كأغلب السعوديين المتسترين على التجاره المقنعه التي افسدت بلدنا واقتصادنا وحياة المساكين.
أوصلني أحمد منصور الى حيث أردت ثم رجعت مع تاكسي اخر ولكن كان من جنسية أخرى.
ياترى لماذا شبابنا نائم وأحمد منصور صاحي؟
تحياتي