هاشم الجحدلـــي
الغرق في بحر نجران
في وقت لم يكن مثاليا للترحال لظروف شخصية وعملية، ذهبت إلى نجران، يحفزني إلى الذهاب، رفقة الأصدقاء وحفاوة المستضيفين، وشغف الوقوف على حافة الوطن الجنوبية في لحظة هي حديث الناس.
وصلت إلى هناك وألف هاجس يغمرني بالحيرة قبل التساؤل، ولكن ما إن وطئت قدماي أرض نجران حتى عصف بي الطقس الرائق والتاريخ الباذخ البهاء والعراقة.
ومنذ تلك اللحظة وحتى آخر لحظة من الزمن الجنوبي الحميم ونحن نغرق في أسر قيمتين أساسيتين من قيم النبل، الحفاوة في الاستقبال والتعامل الآسر في طرح الأسئلة والمشاركة في الإجابة على التساؤلات من أجل أن نكون معا، الأفضل إبداعا وإنسانا.
كانت وجوه الناس هناك تحمل تفاؤلا بالمستقبل، وإحساسا عميقا بأن لحمة الوطن الواحدة لايمكن أن يؤثر عليها شرق وغرب أو جنوب وشمال.. فلا شيء أكبر وأهم وأجمل من الوطن. الذي يشملنا كلنا برعايته ونغمره جميعا بولائنا.
هناك طرحنا أسئلتنا وقرأنا شعرنا وهجسنا بسردنا وحلمنا بالسفر عبر الزمن، وتحدثنا عن المستقبل، والشعر.. والرواية.
أسماء كثيرة كانت حاضرة في المشهد والقلب والذاكرة، وأسماء أخرى كانت هي كل شيء، وأسماء أخرى زرعت كل الحب ولكنها كانت تحرس حميمية المشهد من بعيد، وكل هذه الأسماء التي نعرفها والتي عرفناها، والتي ــ تأكيدا ــ سنعرفها ستبقى في القلب والذاكرة.. ولكن الأهم أن نجران سرقتنا من ثقافة البحر وجعلتنا نغرق في بحر الصحراء تحت إيقاع محمد الشادي.. وقيادة شباب نجران وملتقاهم الجميل.. وللقصة تفاصيل أخرى.
ثم قال
ما بعد الأخدود
أمور كثيرة تلفت الانتباه في زيارتنا لنجران، ولكن الأمور التي يجب الوقوف عليها فعلا لكي تخرج نجران إلى زمن الحداثة والسيادة والإبداع هي:
- تكثيف الفعاليات الثقافية والفنية وتحريك النسيج الاجتماعي المأسور بالأدب الشعبي إلى آفاق الزمن الجديد خاصة أن هناك قابلية شديدة لدى الجيل الجديد لكي يشارك في هذه المناشط بقوة.
- إحياء (موقع الأخدود) بشكل جدي وإقامة عالم تاريخي على هامش الموقع من أجل استقطاب أكبر شريحة من الزوار والمصطافين والسياح من كافة مناطق المملكة وأرجاء العالم.
- وللسياحة أيضا أفق آخر من خلال السياحة الصحراوية المؤهلة لها تماما مناطق الربع الخالي القريبة من مدينة نجران.
- إنشاء معرض للكتاب ولو كل سنتين تكون به حفلات توقيع لكبار الشعراء والروائيين والكتاب السعوديين من أجل جذب أكبر شريحة من القراء إلى الإبداع الحديث.
هذه بعض الأفكار السريعة، التي خطرت على البال عقب الزيارة مباشرة ولكن المنطقة تستحق فعلا أن تكون بها مناشط أكثر وأكثر. فنجران المكان والإنسان يمثل ركنا مهما من كيان هذا الوطن وتاريخه.. ومستقبله.